الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***
المتن: وَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ.
الشَّرْحُ: فَصْلٌ فِي الْوَلِيمَةِ وَاشْتِقَاقِهَا كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مِنْ الْوَلْمِ، وَهُوَ الِاجْتِمَاعُ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ، وَمِنْهُ: أَوْلَمَ الرَّجُلُ إذَا اجْتَمَعَ عَقْلُهُ وَخُلُقُهُ، وَهِيَ تَقَعُ عَلَى كُلِّ طَعَامٍ يُتَّخَذُ لِسُرُورِ حَادِثٍ مِنْ عُرْسٍ وَإِمْلَاكٍ وَغَيْرِهَا، لَكِنَّ اسْتِعْمَالَهَا مُطْلَقَةً فِي الْعُرْسِ أَشْهَرُ، وَفِي غَيْرِهِ بِقَيْدٍ، فَيُقَالُ: وَلِيمَةُ خِتَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَهِيَ لِدَعْوَةِ الْأَمْلَاكِ، وَهُوَ الْعَقْدُ: وَلِيمَةٌ وَمِلَاكٌ وَشَنْدَخِيٌّ، وَلِلْخِتَانِ إعْذَارٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِعْجَامِ الدَّالِ، وَلِلْوِلَادَةِ عَقِيقَةٌ، وَلِلسَّلَامَةِ مِنْ الطَّلْقِ خُرْسٌ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ، وَتُقَالُ بِصَادٍ، وَلِلْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ نَقِيعَةٌ مِنْ النَّقْعِ، وَهُوَ الْغُبَارُ، وَهِيَ طَعَامٌ يُصْنَعُ لَهُ، سَوَاءٌ أَصَنَعَهُ الْقَادِمُ أَمْ صَنَعَهُ غَيْرُهُ لَهُ كَمَا أَفَادَهُ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ، وَلِلْبِنَاءِ وَكِيرَةٌ: مِنْ الْوَكْرِ، وَهُوَ الْمَأْوَى، وَلِلْمُصِيبَةِ وَضِيمَةٌ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ، وَقِيلَ هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ الْوَلَائِمِ نَظَرًا لِاعْتِبَارِ السُّرُورِ، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ مِنْهَا، وَيُوَجَّهُ كَلَامُهُمْ بِأَنَّ اعْتِبَارَ السُّرُورِ إنَّمَا هُوَ فِي الْغَالِبِ، وَلِحِفْظِ الْقُرْآنِ حِذَاقٌ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِذَالٍ مُعْجَمَةٍ، وَبِلَا سَبَبٍ مَأْدُبَةٌ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا، وَالْكُلُّ مُسْتَحَبٌّ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ أَنَّ اسْتِحْبَابَ وَلِيمَةِ الْخِتَانِ مَحَلُّهُ فِي خِتَانِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ فَإِنَّهُ يُخْفَى وَيُسْتَحْيَا مِنْ إظْهَارِهِ، وَيُحْتَمَلُ اسْتِحْبَابُهُ لِلنِّسَاءِ فِيمَا بَيْنَهُنَّ خَاصَّةً أَيْ وَهَذَا أَوْجَهُ قَالَ: وَأَطْلَقُوا اسْتِحْبَابَ الْوَلِيمَةِ لِلْقُدُومِ مِنْ السَّفَرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ لِقَضَاءِ الْعُرْفِ بِهِ. أَمَّا مَنْ غَابَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا يَسِيرَةً إلَى بَعْضِ النَّوَاحِي الْقَرِيبَةِ فَكَالْحَاضِرِ وَآكَدُهَا (وَلِيمَةُ الْعُرْسِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مَعَ ضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِهَا فَإِنَّهَا (سُنَّةٌ) مُؤَكَّدَةٌ لِثُبُوتِهَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وَفِعْلًا، وَفِي الْبُخَارِيِّ: {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ، وَأَنَّهُ أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ وَأَقِطٍ، وَأَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ تَزَوَّجَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ}. وَأَقَلُّهَا لِلْمُتَمَكِّنِ شَاةٌ وَلِغَيْرِهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ. قَالَ النَّسَائِيُّ: وَالْمُرَادُ أَقَلُّ الْكَمَالِ شَاةٌ لِقَوْلِ التَّنْبِيهِ: وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَوْلَمَ مِنْ الطَّعَامِ جَازَ، وَهُوَ يَشْمَلُ الْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ الَّذِي يُعْمَلُ فِي حَالِ الْعَقْدِ مِنْ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ أَسْمَاءَ الْوَلَائِمِ فِي أَبْيَاتٍ فَقَالَ: وَلِلضِّيَافَةِ أَسْمَاءٌ ثَمَانِيَةٌ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ ثُمَّ الْخُرْسُ لِلْوَلَدِ كَذَا الْعَقِيقَةُ لِلْمَوْلُودِ سَابِعَهُ ثُمَّ الْوَكِيرَةُ لِلْبُنْيَانِ إنْ تَجِدْ ثُمَّ النَّقِيعَةُ عِنْدَ الْعَوْدِ مِنْ سَفَرٍ وَفِي الْخِتَانِ هُوَ الْإِعْذَارُ فَاجْتَهِدْ وَضِيمَةٌ لِمُصَابٍ ثُمَّ مَأْدُبَةٌ مِنْ غَيْرِ مَا سَبَبٍ جَاءَتْكَ بِالْعَدَدِ وَالشَّنْدَخِيُّ لِأَمْلَاكٍ فَقَدْ كَمُلَتْ تِسْعًا وَقُلْ لِلَّذِي يَدْرِيهِ فَاعْتَمِدْ وَقَوْلُهُ: قُلْ لِلَّذِي يَدْرِيه أَيْ الشَّنْدَخِيِّ، وَأَهْمَلَ النَّاظِمُ عَاشِرًا وَهُوَ الْحِذَاقُ. وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِاسْتِحْبَابِ الْوَلِيمَةِ لِلتَّسَرِّي، وَقَدْ صَحَّ: {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ قَالُوا: إنْ لَمْ يَحْجُبْهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ، وَإِنْ حَجَبَهَا فَهِيَ امْرَأَتُهُ} وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ الْوَلِيمَةِ بِالزَّوْجَةِ وَنَدْبِهَا لِلتَّسَرِّي، إذْ لَوْ اُخْتُصَّتْ بِالزَّوْجَةِ لَمْ يَتَرَدَّدُوا فِي كَوْنِهَا زَوْجَةً أَوْ سُرِّيَّةً.
المتن: وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ وَاجِبَةٌ.
الشَّرْحُ:
تَنْبِيهٌ: لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِوَقْتِ الْوَلِيمَةِ، وَاسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ أَنَّ وَقْتَهَا مُوَسَّعٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ فَيَدْخُلُ وَقْتُهَا بِهِ، وَالْأَفْضَلُ فِعْلُهَا بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ {صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُولِمْ عَلَى نِسَائِهِ إلَّا بَعْدَ الدُّخُولِ} فَتَجِبُ الْإِجَابَةُ إلَيْهَا مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإِنْ خَالَفَ الْأَفْضَلَ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي التَّوْشِيحِ (وَفِي قَوْلٍ) كَمَا حَكَاهُ فِي الْمُهَذَّبِ (أَوْ وَجْهٍ) كَمَا فِي غَيْرِهِ (وَاجِبَةٌ) عَيْنًا لِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي خَبَرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّابِقِ، وَالْأَوَّلُ حَمَلَهُ عَلَى النَّدْبِ قِيَاسًا عَلَى الْأُضْحِيَّةِ وَسَائِرِ الْوَلَائِمِ، وَلِأَنَّهُ أَمَرَ فِيهِ بِالشَّاةِ، وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ لَوَجَبَتْ، وَهِيَ لَا تَجِبُ إجْمَاعًا لَا عَيْنًا وَلَا كِفَايَةً. تَنْبِيهٌ: لَوْ نَكَحَ أَرْبَعًا هَلْ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ عَنْ الْجَمِيعِ أَوْ يَكْفِيه، أَوْ يَفْصِلُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْوَاحِدِ وَالْعُقُودِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فِيهِ نَظَرٌ ا هـ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ كَمَا قَالَهُ غَيْرُهُ.
المتن: وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَقِيلَ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ سُنَّةٌ.
الشَّرْحُ: (وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا) أَيْ وَلِيمَةِ الْعُرْسِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ (فَرْضُ عَيْنٍ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: {إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى الْوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا} وَخَبَرِ مُسْلِمٍ: {شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَتُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ}. قَالُوا: وَالْمُرَادُ وَلِيمَةُ الْعُرْسِ؛ لِأَنَّهَا الْمَعْهُودَةُ عِنْدَهُمْ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مَرْفُوعًا: {إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى وَلِيمَةِ عُرْسٍ فَلْيُجِبْ} وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ (وَقِيلَ) الْإِجَابَةُ إلَيْهَا فَرْضُ (كِفَايَةٍ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إظْهَارُ النِّكَاحِ وَالتَّمْيِيزُ عَنْ السِّفَاحِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِحُصُولِ الْبَعْضِ (وَقِيلَ: سُنَّةٌ) لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ مَالٍ فَلَمْ يَجِبْ كَغَيْرِهِ، وَالْخَبَرُ مَحْمُولٌ عَلَى تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ. أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَإِنَّ الْإِجَابَةَ تَجِبُ قَطْعًا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَتَابَعَاهُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ قَوْلِهِ إلَيْهَا عَدَمُ الْإِجَابَةِ إلَى غَيْرِهَا مِنْ الْوَلَائِمِ وَهُوَ الصَّحِيحُ، بَلْ هِيَ سُنَّةٌ لِمَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: دُعِيَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ إلَى خِتَانٍ فَلَمْ يُجِبْ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهُ عَهْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: يَطَّرِدُ الْخِلَافُ السَّابِقُ، وَاخْتَارَهُ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ، فَفِي مُسْلِمٍ: {مَنْ دُعِيَ إلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ} وَفِي أَبِي دَاوُد: {إذَا دَعَا أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُجِبْ عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ} وَقَضِيَّتُهُمَا وُجُوبُ الْإِجَابَةِ فِي سَائِرِ الْوَلَائِمِ، وَبِهِ أَجَابَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.
المتن: وَإِنَّمَا تَجِبُ أَوْ تُسَنُّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ وَأَنْ يَدْعُوَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْلَمَ ثَلَاثَةً لَمْ تَجِبْ فِي الثَّانِي، وَتُكْرَهُ فِي الثَّالِثِ، وَأَنْ لَا يُحْضِرَهُ لِخَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ فِي جَاهِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ وَلَا مُنْكَرٌ، فَإِنْ كَانَ يَزُولُ بِحُضُورِهِ فَلْيَحْضُرْ.
الشَّرْحُ: (وَإِنَّمَا تَجِبُ) الْإِجَابَةُ (أَوْ تُسَنُّ) كَمَا مَرَّ (بِشَرْطِ) أَيْ بِشُرُوطٍ مِنْهَا (أَنْ لَا يَخُصَّ) بِالدَّعْوَةِ (الْأَغْنِيَاءَ) لِغِنَاهُمْ لِخَبَرِ: " شَرُّ الطَّعَامِ " بَلْ يَعُمُّ عَشِيرَتَهُ، أَوْ جِيرَانَهُ، أَوْ أَهْلَ حِرْفَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا كُلُّهُمْ أَغْنِيَاءَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَعُمَّ جَمِيعَ النَّاسِ لِتَعَذُّرِهِ، بَلْ لَوْ كَثُرَتْ عَشِيرَتُهُ أَوْ نَحْوُهَا، أَوْ خَرَجَتْ عَنْ الضَّبْطِ، أَوْ كَانَ فَقِيرًا لَا يُمْكِنُهُ اسْتِيعَابُهَا، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ عَدَمُ اشْتِرَاطِ عُمُومِ الدَّعْوَةِ، بَلْ الشَّرْطُ أَنْ لَا يَظْهَرَ مِنْهُ قَصْدُ التَّخْصِيصِ. قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَلَوْ لِغَيْرِ الْأَغْنِيَاءِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ، بَلْ لَوْ خَصَّصَ بِذَلِكَ الْفُقَرَاءَ كَانَ أَوْلَى، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا، فَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ لِانْتِفَاءِ طَلَبِ الْمَوَدَّةِ مَعَهُ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَقْذَرُ طَعَامُهُ لِاحْتِمَالِ نَجَاسَتِهِ وَفَسَادِ تَصَرُّفِهِ، وَلِهَذَا لَا يُسْتَحَبُّ إجَابَةُ الذِّمِّيِّ كَاسْتِحْبَابِ إجَابَةِ الْمُسْلِمِ فِيمَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ إجَابَتُهُ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إجَابَةُ الذِّمِّيِّ وَإِنْ كُرِهَتْ مُخَالَطَتُهُ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ مُسْلِمًا أَيْضًا، فَلَوْ دَعَا مُسْلِمٌ كَافِرًا لَمْ تَجِبْ إجَابَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ (وَ) مِنْهَا (أَنْ يَدْعُوَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْلَمَ ثَلَاثَةً) مِنْ الْأَيَّامِ أَوْ أَكْثَرَ (لَمْ تَجِبْ) إجَابَتُهُ (فِي) الْيَوْمِ (الثَّانِي) قَطْعًا بَلْ تُسَنُّ فِيهِ (وَتُكْرَهُ فِي الثَّالِثِ) وَفِيمَا بَعْدَهُ، فَفِي أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الْوَلِيمَةُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَقٌّ، وَفِي الثَّانِي مَعْرُوفٌ، وَفِي الثَّالِثِ - أَيْ وَفِيمَا بَعْدَهُ - رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ} نَعَمْ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ اسْتِيعَابُ النَّاسِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِكَثْرَتِهِمْ، أَوْ صِغَرٍ مَنْزِلِهِ، أَوْ غَيْرِهِمَا وَجَبَتْ الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَوَلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ دَعَا النَّاسَ إلَيْهَا أَفْوَاجًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، وَلَوْ أَوْلَمَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ لِغَيْرِ عُذْرٍ مِمَّا مَرَّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الثَّانِيَةَ كَالْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُطْلَقَ التَّصَرُّفِ، فَلَا تُطْلَبُ إجَابَةُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِصِبًا أَوْ جُنُونٍ أَوْ سَفَهٍ وَإِنْ أَذِنَ وَلِيُّهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِحِفْظِ مَالِهِ لَا بِإِتْلَافِهِ. نَعَمْ إنْ اتَّخَذَهَا الْوَلِيُّ مِنْ مَالِهِ وَهُوَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وُجُوبُ الْحُضُورِ (وَ) مِنْهَا (أَنْ لَا يُحْضِرَهُ) أَيْ يَدْعُوَهُ (لِخَوْفٍ) مِنْهُ لَوْ لَمْ يُحْضِرْهُ (أَوْ طَمَعٍ فِي جَاهِهِ) أَوْ إعَانَتِهِ عَلَى بَاطِلٍ، بَلْ لِلتَّوَدُّدِ وَالتَّقَرُّبِ، وَكَذَا لَا بِقَصْدِ شَيْءٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ. وَمِنْهَا أَنْ يُعَيِّنَ الْمَدْعُوَّ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ، لَا إنْ نَادَى فِي النَّاسِ، كَأَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: اُدْعُ مَنْ شِئْت، أَوْ افْتَحْ الْبَابَ وَقَالَ لِيَحْضُرْ مَنْ أَرَادَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ حِينَئِذٍ لَا يُورِثُ وَحْشَةً. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَعْتَذِرَ الْمَدْعُوُّ إلَى الدَّاعِي وَيَرْضَى بِتَخَلُّفِهِ وَإِلَّا زَالَ الْوُجُوبُ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَسْبِقَ الدَّاعِي غَيْرَهُ، فَلَوْ دَعَاهُ اثْنَانِ أَجَابَ السَّابِقَ، فَإِنْ جَاءَا مَعًا أَجَابَ أَقْرَبَهُمَا رَحِمًا ثُمَّ دَارًا. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَدْعُوَهُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ، فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ كُرِهَتْ إجَابَتُهُ، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ عَيْنَ الطَّعَامِ حَرَامٌ حَرُمَتْ إجَابَتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَتُبَاحُ الْإِجَابَةُ، وَلَا تَجِبُ إذَا كَانَ فِي مَالِهِ شُبْهَةٌ، وَلِهَذَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا تَجِبُ الْإِجَابَةُ فِي زَمَانِنَا ا هـ. وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ فِي مَالِ الدَّاعِي شُبْهَةً وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاعِي امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً وَلَيْسَ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ مَحْرَمٌ لَهَا وَلَا لِلْمَدْعُوِّ وَإِنْ لَمْ يَخْلُ بِهَا. وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَدْعُوُّ حُرًّا، فَلَوْ دَعَا عَبْدًا لَزِمَهُ إنْ أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ، وَكَذَا الْمُكَاتَبُ إنْ لَمْ يَضُرَّ حُضُورُهُ بِكَسْبِهِ، فَإِنْ ضَرَّ وَأَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ فَوَجْهَانِ: وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَالْمَحْجُورُ فِي إبَاحَةِ الدَّعْوَةِ كَالرَّشِيدِ، وَمِنْهَا أَنْ يَدْعُوَهُ فِي وَقْتِ الْوَلِيمَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْعُوُّ قَاضِيًا، فَإِنْ كَانَ لَمْ تَجِبْ الْإِجَابَةُ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَكَذَا كُلُّ ذِي وِلَايَةٍ عَامَّةٍ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ مَعْذُورًا بِمُرَخِّصٍ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ كَمَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ، وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ الدَّاعِي ظَالِمًا أَوْ فَاسِقًا أَوْ شِرِّيرًا أَوْ مُتَكَلَّفًا طَلَبًا لِلْمُبَاهَاةِ وَالْفَخْرِ، قَالَهُ فِي الْإِحْيَاءِ. وَمِنْهَا أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ عَلَى الْمَدْعُوِّ حَقٌّ كَأَدَاءِ شَهَادَةٍ وَصَلَاةِ جِنَازَةٍ (وَ) مِنْهَا (أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ) أَيْ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ (مَنْ يَتَأَذَّى) الْمَدْعُوُّ (بِهِ، أَوْ لَا يَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ) كَالْأَرَاذِلِ، فَإِنْ كَانَ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي التَّخَلُّفِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّأَذِّي فِي الْأَوَّلِ وَالْغَضَاضَةِ فِي الثَّانِي، وَلَا أَثَرَ لِعَدَاوَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدَّاعِي، وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الْوَلِيمَةِ عَدُوٌّ لَهُ لَا يَتَأَذَّى بِهِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْعَدَاوَةَ الظَّاهِرَةَ عُذْرٌ (وَ) مِنْهَا أَنْ (لَا) يُوجَدَ ثَمَّ (مُنْكَرٌ) كَخَمْرٍ، أَوْ مَلَاهٍ مُحَرَّمَةٍ، لِحَدِيثِ: {مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقْعُدَنَّ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ} رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ: إنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. تَنْبِيهٌ: يَشْمَلُ إطْلَاقُهُ مَا لَوْ كَانَ هُنَاكَ دَاعِيَةٌ إلَى بِدْعَةٍ وَلَا يَقْدِرُ الْمَدْعُوُّ عَلَى رَدِّهِ، وَمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُضْحِكُ بِالْفُحْشِ وَالْكَذِبِ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْإِحْيَاءِ. وَمَا إذَا كَانَ هُنَاكَ آنِيَةُ نَقْدٍ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (فَإِنْ كَانَ) الْمُنْكَرُ (يَزُولُ بِحُضُورِهِ فَلْيَحْضُرْ) حَتْمًا إجَابَةً لِلدَّعْوَةِ وَإِزَالَةً لِلْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ يَزُلْ بِحُضُورِهِ حَرُمَ الْحُضُورُ؛ لِأَنَّهُ كَالرِّضَا بِالْمُنْكَرِ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ حَتَّى حَضَرَ نَهَاهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا وَجَبَ الْخُرُوجُ إلَّا إنْ خَافَ مِنْهُ كَأَنْ كَانَ فِي لَيْلٍ وَخَافَ وَقَعَدَ كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَلَا يَسْمَعُ لِمَا يَحْرُمُ اسْتِمَاعُهُ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِالْحَدِيثِ وَالْأَكْلِ جَازَ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي جِوَارِ بَيْتِهِ لَا يَلْزَمُهُ التَّحَوُّلُ وَإِنْ بَلَغَهُ الصَّوْتُ، وَلَوْ كَانَ الْمُنْكَرُ مُخْتَلَفًا فِيهِ كَشُرْبِ النَّبِيذِ وَالْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ حَرُمَ الْحُضُورُ عَلَى مُعْتَقِدِ تَحْرِيمِهِ قَالَهُ الشَّارِحُ نَاقِلًا لَهُ نَقْلَ الْمَذْهَبِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يَغْفُلُ عَنْهَا كَثِيرٌ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قُلْتُهَا فِي مَجْلِسٍ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا فَأَنْكَرَهَا بَعْضُهُمْ، فَقُلْت لَهُ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَالَهَا الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فَسَكَتَ، وَيُؤَيَّدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ.
المتن: وَمِنْ الْمُنْكَرِ فِرَاشُ حَرِيرٍ وَصُورَةُ حَيَوَانٍ عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ وِسَادَةٍ أَوْ سِتْرٍ أَوْ ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ، وَيَجُوزُ مَا عَلَى أَرْضٍ وَبِسَاطٍ وَمِخَدَّةٍ.
الشَّرْحُ: (وَمِنْ الْمُنْكَرِ فِرَاشُ) أَيْ فِرَاشُ (حَرِيرٍ) لِلنَّهْيِ عَنْ افْتِرَاشِهِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ. فَإِنْ قِيلَ: هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ فِي كِتَابِ السِّيَرِ: لَا يُنْكَرُ إلَّا الْمُجْمَعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا يُرَاعَى إذَا لَمْ يُخَالِفْ سُنَّةً صَحِيحَةً، وَالسُّنَّةُ قَدْ صَحَّتْ بِالنَّهْيِ عَنْ الِافْتِرَاشِ، فَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافٍ يُصَادِمُ النَّصَّ، وَلِهَذَا حَدَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ شَارِبَ النَّبِيذِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ مِنْ أَنَّ الْفُرْجَةَ عَلَى الزِّينَةِ حَرَامٌ أَيْ لِمَا فِيهَا مِنْ الْمُنْكَرَاتِ. تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي دَعْوَةٍ اُتُّخِذَتْ لِلرِّجَالِ، فَأَمَّا دَعْوَةُ النِّسَاءِ خَاصَّةً فَيَنْبَنِي عَلَى افْتِرَاشِهِنَّ لِلْحَرِيرِ، فَإِنْ مَنَعْنَاهُ لَهُنَّ فَلَا فَرْقَ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ فَلَيْسَ بِمُنْكَرٍ، وَالتَّقْيِيدُ بِالِافْتِرَاشِ يُخْرِجُ سِتْرَ الْجِدَارِ بِهِ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَلَوْ حَذَفَ الْحَرِيرَ وَقَالَ كَالْغَزَالِيِّ: وَفَرْشُ غَيْرِ حَلَالٍ كَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ فَرْشَ الْمَغْصُوبِ وَالْمَسْرُوقِ، وَفَرْشَ جُلُودِ النُّمُورِ فَإِنَّهَا حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا، وَلِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّ الْمُحَرَّمَ الْمَصْدَرُ أَعْنِي الْفَرْشَ لَا الْفِرَاشَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَطْوِيًّا وَلَا حُرْمَةَ فِيهِ (وَ) مِنْ الْمُنْكَرِ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ (صُورَةُ حَيَوَانٍ) آدَمِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ كَبِيرًا أَوْ صَغِيرًا عَلَى صُورَةِ حَيَوَانٍ مَعْهُودٍ كَفَرَسٍ أَمْ لَا كَآدَمِيٍّ بِجَنَاحَيْنِ مَرْفُوعَةٌ كَأَنْ كَانَتْ (عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ وِسَادَةٍ) مَنْصُوبَةٍ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا (أَوْ سِتْرٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بِخَطِّهِ مُعَلَّقٌ لِزِينَةٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ (أَوْ) عَلَى (ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {امْتَنَعَ مِنْ الدُّخُولِ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا مِنْ أَجْلِ النُّمْرُقَةِ الَّتِي عَلَيْهَا التَّصَاوِيرُ، فَقَالَتْ: أَتُوبُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مِمَّا أَذْنَبْت. فَقَالَ: مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ، فَقَالَتْ: اشْتَرَيْتُهَا لَك لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَتَوَسَّدَهَا. فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ، فَيُقَالُ لَهُمْ: أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَإِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ هَذِهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ الْمَلَائِكَةُ} مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَقَالَ: {أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ} وَلِأَنَّهَا شَبِيهَةٌ بِالْأَصْنَامِ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَحْرِيمُ دُخُولِ الْبَيْتِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى هَذِهِ الصُّوَرِ، وَكَلَامُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ يَقْتَضِي تَرْجِيحَ عَدَمِ تَحْرِيمِهِ حَيْثُ قَالَ: وَهَلْ دُخُولُ الْبَيْتِ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ الْمَصْنُوعَةُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ؟ وَجْهَانِ، وَبِالتَّحْرِيمِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ، وَبِالْكَرَاهَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالصَّيْدَلَانِيّ، وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ ا هـ. وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُمْ مَالُوا إلَى الْكَرَاهَةِ، وَصَوَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ، وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ كَمَا جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ، وَلَكِنْ حَكَى فِي الْبَيَانِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ التَّحْرِيمَ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الدُّخُولِ غَيْرُ الْحُضُورِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَكَصُوَرِ الْحَيَوَانِ فِي ذَلِكَ فُرُشُ الْحَرِيرِ كَمَا يُومِئُ إلَيْهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ، وَخَرَجَ بِكَوْنِ الصُّورَةِ فِي مَوْضِعِ الدَّعْوَةِ، إذَا كَانَتْ فِي الْمَمَرِّ، فَلَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ الَّذِي عَلَى بَابِهِ صُوَرٌ كَمَا فِي الشَّرْحِ وَالرَّوْضَةِ، وَبِالْوِسَادَةِ الْمَنْصُوبَةِ غَيْرُ الْمَنْصُوبَةِ، وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ التَّجْوِيزُ فِي الْمِخَدَّةِ، وَالْوِسَادَةُ وَالْمِخَدَّةُ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ، وَجُمِعَ بَيْنَ كَلَامِهِ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَوَازِ فِي الْمِخَدَّةِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي يُتَّكَأُ عَلَيْهَا، وَبِالْمَنْعِ فِي الْوِسَادَةِ الْكَبِيرَةِ الْمَنْصُوبَةِ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَتَعْبِيرُ الْكِتَابِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ عِنَايَةً بِهِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: وَثَوْبٌ مَلْبُوسٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُنْكَرًا فِي حَالِ كَوْنِهِ مَلْبُوسًا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا يُرَادُ لِلُّبْسِ، سَوَاءٌ كَانَ مَلْبُوسًا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَمْ مُعَلَّقًا أَمْ مَوْضُوعًا عَلَى الْأَرْضِ ا هـ. وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْكِتَابِ. فَائِدَةٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ صُورَةِ الْحَيَوَانِ لُعَبُ الْبَنَاتِ فَلَا تَحْرُمُ كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلْمُصَنِّفِ تَبَعًا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ فِي نَقْلِهِ ذَلِكَ عَنْ الْعُلَمَاءِ: {وَلِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِهَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ} رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَحِكْمَتُهُ تَدْرِيبُهُنَّ أَمْرَ التَّرْبِيَةِ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا تَرَكَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الشُّرُوطِ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرَهُ، وَالْمَرْأَةُ إنْ دَعَتْ نِسَاءً فَكَمَا فِي الرِّجَالِ (وَيَجُوزُ مَا) أَيْ صُورَةُ حَيَوَانٍ كَائِنَةٌ (عَلَى أَرْضٍ وَبِسَاطٍ) يُوطَأُ (وَمِخَدَّةٍ) يُتَّكَأُ عَلَيْهَا وَآنِيَةٍ تُمْتَهَنُ الصُّوَرُ بِاسْتِعْمَالِهَا كَطَبَقٍ وَخِوَانٍ وَقَصْعَةٍ، وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ إنْ كَانَتْ الصُّورَةُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يُهَانُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرَتْ عَلَى صُفَّةٍ لَهَا سِتْرًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الْأَجْنِحَةِ فَأَمَرَ بِنَزْعِهَا} وَفِي رِوَايَةٍ: {قَطَعْنَا مِنْهَا وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْتَفِقُ بِهِمَا} كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ. قَالَ السُّبْكِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ، إذْ يُحْتَمَلُ كَوْنُ الْقَطْعِ فِي مَوْضِعِ الصُّورَةِ فَزَالَتْ وَجُعِلَتْ وِسَادَةً ا هـ . وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ، وَلِأَنَّ مَا يُوطَأُ وَيُطْرَحُ مُهَانٌ مُبْتَذَلٌ، وَأَمَّا الصُّورَةُ الْمَنْقُوشَةُ عَلَى دِينَارٍ أَوْ دِرْهَمٍ، فَالْقِيَاسُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إلْحَاقُهَا بِالثَّوْبِ أَيْ غَيْرِ الْمَلْبُوسِ لِامْتِهَانِهِ بِالِاسْتِعْمَالِ. تَنْبِيهٌ: أَشْعَرَ كَلَامُهُ وُجُوبَ الْإِجَابَةِ مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَتَجْوِيزَ اسْتِعْمَالِهَا وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي، فَإِنَّ الصَّحِيحَ تَحْرِيمُ التَّصْوِيرِ عَلَى الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا كَمَا سَيَأْتِي وَتَعْبِيرُهُ أَوَّلًا بِالْوِسَادَةِ وَثَانِيًا بِالْمِخَدَّةِ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
المتن: وَمَقْطُوعُ الرَّأْسِ وَصُورَةُ شَجَرٍ.
الشَّرْحُ: (وَ) يَجُوزُ مُرْتَفِعٌ (مَقْطُوعُ الرَّأْسِ وَصُورَةُ شَجَرٍ) وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا رُوحَ فِيهِ كَشَمْسٍ وَقَمَرٍ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا قَالَ لَهُ الْمُصَوِّرُ: لَا أَعْرِفُ صَنْعَةً غَيْرَهَا: " قَالَ: إنْ لَمْ يَكُنْ فَصَوِّرْ مِنْ الْأَشْجَارِ مَا لَا نَفْسَ لَهُ ".
المتن: وَيَحْرُمُ تَصْوِيرُ حَيَوَانٍ.
الشَّرْحُ: (وَيَحْرُمُ تَصْوِيرُ حَيَوَانٍ) لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ؛ وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُضَاهَاةِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَسَوَاءٌ أَعَمِلَ لَهَا رَأْسًا أَمْ لَا خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَنَا جَوَازُ التَّصْوِيرِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْسٌ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْحَدِيثُ مِنْ قَطْعِ رُءُوسِهَا ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَصْوِيرٍ عَلَى الْحِيطَانِ أَوْ الْأَرْضِ أَوْ نَسْجِ الثِّيَابِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ.
المتن: وَلَا تَسْقُطُ إجَابَةٌ بِصَوْمٍ، فَإِنْ شَقَّ عَلَى الدَّاعِي صَوْمُ نَفْلٍ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ.
الشَّرْحُ: (وَلَا تَسْقُطُ إجَابَةٌ بِصَوْمٍ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: {إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيُجِبْ، فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ، وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ} وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الدُّعَاءُ، بِدَلِيلِ رِوَايَةِ ابْنِ السُّنِّيِّ: {فَإِنْ كَانَ صَائِمًا دَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ} وَلَا يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ إذَا كَانَ مُفْطِرًا فَخَبَرُ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ، فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ} وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ لِمَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: {وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَطْعَمْ} وَجَرَى عَلَيْهِ فِي التَّنْبِيهِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ، وَاخْتَارَهُ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يُسَنُّ لَهُ الْأَكْلُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ: وَأَقَلُّهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ لُقْمَةٌ (فَإِنْ شَقَّ عَلَى الدَّاعِي صَوْمُ نَفْلٍ) مِنْ الْمَدْعُوِّ (فَالْفِطْرُ) لَهُ (أَفْضَلُ) مِنْ إتْمَامِ الصَّوْمِ وَلَوْ آخِرَ النَّهَارِ لِجَبْرِ خَاطِرِ الدَّاعِي: {لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَمْسَكَ مَنْ حَضَرَ مَعَهُ وَقَالَ: إنِّي صَائِمٌ. قَالَ لَهُ: يَتَكَلَّفُ لَك أَخُوك الْمُسْلِمُ، وَتَقُولُ: إنِّي صَائِمٌ؟ أَفْطِرْ، ثُمَّ اقْضِ يَوْمًا مَكَانَهُ} رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ: فَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَالْإِمْسَاكُ أَفْضَلُ، وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ: إنِّي صَائِمٌ، حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَصْحَابِ، أَمَّا صَوْمُ الْفَرْضِ فَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَلَوْ مُوَسَّعًا كَنَذْرٍ مُطْلَقٍ.
المتن: وَيَأْكُلُ الضَّيْفُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ بِلَا لَفْظٍ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا بِالْأَكْلِ.
الشَّرْحُ: (وَيَأْكُلُ الضَّيْفُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ بِلَا لَفْظٍ) مِنْ مَالِكِ الطَّعَامِ اكْتِفَاءً بِالْقَرِينَةِ الْعُرْفِيَّةِ كَمَا فِي الشُّرْبِ مِنْ السِّقَايَاتِ فِي الطُّرُقِ. قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَمَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ لَفْظِ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، نَعَمْ إنْ كَانَ يَنْتَظِرُ حُضُورَ غَيْرِهِ فَلَا يَأْكُلْ إلَّا بِإِذْنٍ لَفْظًا أَوْ بِحُضُورِ الْغَيْرِ لِاقْتِضَاءِ الْقَرِينَةِ عَدَمَ الْأَكْلِ بِدُونِ ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأَرَاذِلِ أَنْ يَأْكُلُوا مِمَّا بَيْنَ أَيْدِي الْأَمَاثِلِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ النَّفِيسَةِ الْمَخْصُوصَةِ بِهِمْ، وَبِهِ صَرَّحَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ. قَالَ: إذْ لَا دَلَالَةَ عَلَى ذَلِكَ بِلَفْظٍ وَلَا عُرْفٍ بَلْ الْعُرْفُ زَاجِرٌ عَنْهُ، وَأَنَّ الضَّيْفَ لَا يَأْكُلُ جَمِيعَ مَا قُدِّمَ لَهُ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّبَّاغِ. قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ: وَفِيهِ نَظَرٌ إذَا كَانَ قَلِيلًا يَقْتَضِي الْعُرْفُ أَكْلَ جَمِيعِهِ ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا عَلِمَ رِضَا مَالِكِهِ بِذَلِكَ، وَصَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ بِتَحْرِيمِ الزِّيَادَةِ عَلَى الشِّبَعِ أَيْ إذَا لَمْ يَعْلَمْ رِضَا مَالِكِهِ، وَإِنَّهُ لَوْ زَادَ لَمْ يَضْمَنْ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَفِيهِ وَقْفَةٌ ا هـ. وَحَدُّ الشِّبَعِ أَنْ لَا يُعَدَّ جَائِعًا، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الشِّبَعِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ الْحَلَالِ فَمَكْرُوهٌ، وَكَذَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ إذَا عَلِمَ رِضَا مَالِكِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَلَوْ كَانَ الضَّيْفُ يَأْكُلُ كَعَشَرَةٍ مَثَلًا وَمُضِيفُهُ جَاهِلًا بِحَالِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ فَوْقَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ فِي الْمِقْدَارِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ الطَّعَامُ قَلِيلًا فَأَكَلَ لُقَمًا كِبَارًا مُسْرِعًا حَتَّى يَأْكُلَ أَكْثَرَ الطَّعَامِ وَيَحْرِمَ أَصْحَابَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ التَّطَفُّلُ، وَهُوَ حُضُورُ الْوَلِيمَةِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ إلَّا إذَا عَلِمَ رِضَا الْمَالِكِ بِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْأُنْسِ وَالِانْبِسَاطِ، وَقَيَّدَ ذَلِكَ الْإِمَامُ بِالدَّعْوَةِ الْخَاصَّةِ، أَمَّا الْعَامَّةُ كَأَنْ فَتَحَ الْبَابَ لِيَدْخُلَ مَنْ شَاءَ فَلَا تَطَفُّلَ، وَالتَّطْفِيلُ مَأْخُوذٌ مِنْ التَّطَفُّلِ، وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى طُفَيْلٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَانَ يَأْتِي الْوَلَائِمَ بِلَا دَعْوَةٍ، فَكَانَ يُقَالُ لَهُ طُفَيْلُ الْأَعْرَاسِ (وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ) بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ (إلَّا بِالْأَكْلِ) لِأَنَّهُ الْمَأْذُونُ فِيهِ عُرْفًا فَلَا يُطْعِمُ سَائِلًا وَلَا هِرَّةً إلَّا إنْ عَلِمَ رِضَا مَالِكِهِ بِهِ، وَلِلضَّيْفِ تَلْقِيمُ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُفَاضِلَ الْمُضِيفُ طَعَامَهُمَا، فَلَيْسَ لِمَنْ خُصَّ بِنَوْعٍ أَنْ يُطْعِمَ غَيْرَهُ مِنْهُ، وَظَاهِرُهُ الْمَنْعُ، سَوَاءٌ أَخُصَّ بِالنَّوْعِ الْعَالِي أَمْ بِالسَّافِلِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَيُحْتَمَلُ تَخْصِيصُهُ بِمَنْ خُصَّ بِالْعَالِي، وَنَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ هَذَا عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قَالَ: وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَيُكْرَهُ لِصَاحِبِ الطَّعَامِ أَنْ يُفَاضِلَ بَيْنَ الضِّيفَانِ فِي الطَّعَامِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ كَسْرِ الْخَاطِرِ. تَنْبِيهٌ: يَمْلِكُ الْمُضِيفُ مَا الْتَقَمَهُ بِوَضْعِهِ فِي فَمِهِ عَلَى مَا اقْتَضَى كَلَامُ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ تَرْجِيحَهُ، وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَصَرَّحَ بِتَرْجِيحِهِ الْقَاضِي وَالْإِسْنَوِيُّ، وَإِنْ كَانَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ بِالِازْدِرَادِ أَنَّهُ مَلَكَهُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ: يَمْلِكَهُ بِالْوَضْعِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَحَيْثُ قُلْنَا: يَمْلِكُ الْأَخْذَ أَوْ بِالْوَضْعِ فِي الْفَمِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يُبِيحَهُ لِغَيْرِهِ أَوْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ الْأَكْلِ؟ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يُعِيرُ الْمُسْتَعِيرُ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِنَفْسِهِ كَالْعَارِيَّةِ لَا أَنَّهُ مَلَكَ الْعَيْنَ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُهُمْ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ جَوَازَ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، نَعَمْ النَّازِلُ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، إذَا شَرَطَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَدَّمُوا لِلضَّيْفِ شَيْئًا يَمْلِكُهُ بِلَا خِلَافٍ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَرْتَحِلَ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ.
المتن: وَلَهُ أَخْذُ مَا يَعْلَمُ رِضَاهُ بِهِ.
الشَّرْحُ: (وَلَهُ) أَيْ الضَّيْفِ (أَخْذُ مَا يَعْلَمُ رِضَاهُ) أَيْ الْمُضِيفِ (بِهِ) وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ؛ لِأَنَّ مَدَارَ الضِّيَافَةِ عَلَى طِيبِ النَّفْسِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ وَلَوْ بِالْقَرِينَةِ رَتَّبَ عَلَيْهِ مُقْتَضَاهُ، وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَبِمِقْدَارِ الْمَأْخُوذِ وَبِحَالِ الْمُضِيفِ وَبِالدَّعْوَةِ، فَإِنْ شَكَّ فِي وُقُوعِهِ فِي مَحَلِّ الْمُسَامَحَةِ، فَالصَّحِيحُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ التَّحْرِيمُ. قَالَ فِي الْإِحْيَاءِ: وَإِذَا عَلِمَ رِضَاهُ يَنْبَغِي لَهُ مُرَاعَاةُ النَّصَفَةِ مَعَ الرُّفْقَةِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ إلَّا مَا يَخُصَّهُ أَوْ يَرْضَوْنَ بِهِ عَنْ طَوْعٍ لَا عَنْ حَيَاءٍ.
المتن: وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ وَغَيْرُهُ فِي الْإِمْلَاكِ، وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحِلُّ الْتِقَاطُهُ، وَتَرْكَهُ أَوْلَى.
الشَّرْحُ: (وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ) وَهُوَ رَمْيُهُ مُفَرَّقًا (وَغَيْرُهُ) كَدَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَجَوْزٍ وَلَوْزٍ (فِي الْإِمْلَاكِ) عَلَى الْمَرْأَةِ لِلنِّكَاحِ وَفِي الْخِتَانِ، وَكَذَا فِي سَائِرِ الْوَلَائِمِ كَمَا بَحَثَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَمَلًا بِالْعُرْفِ (وَلَا يُكْرَهُ) النَّثْرُ (فِي الْأَصَحِّ) وَلَكِنْ تَرْكُهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ إلَى مَا يُشْبِهُ النُّهْبَةَ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنْهَا، وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبِرِّ، وَقِيلَ: يُكْرَهُ لِلدَّنَاءَةِ فِي الْتِقَاطِهِ بِالِانْتِهَابِ (وَيَحِلُّ الْتِقَاطُهُ) لِأَنَّ مَالِكَهُ إنَّمَا طَرَحَهُ لِمَنْ يَأْخُذُهُ (وَ) لَكِنَّ (تَرْكَهُ أَوْلَى) كَالنَّثْرِ، هَذَا مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَلَا يُخَالِفُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ، وَالْجُمْهُورُ عَلَى كَرَاهَةِ النَّثْرِ وَالِالْتِقَاطِ إنْ حُمِلَتْ الْكَرَاهَةُ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى. نَعَمْ إنْ عَلِمَ أَنَّ النَّاثِرَ لَا يُؤْثِرُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَمْ يَقْدَحْ الِالْتِقَاطُ فِي مُرُوءَةِ الْمُلْتَقِطِ لَمْ يَكُنْ التَّرْكُ أَوْلَى، وَيُكْرَهُ أَخْذُهُ مِنْ الْهَوَاءِ بِإِزَارٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْهُ أَوْ الْتَقَطَهُ أَوْ بَسَطَ حِجْرَهُ لَهُ فَوَقَعَ فِيهِ مَلَكَهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْسُطْ حِجْرَهُ لَهُ لَمْ يَمْلِكْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ قَصْدُ تَمَلُّكٍ وَلَا فِعْلٌ، لَكِنْ هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ، فَلَوْ أَخَذَهُ غَيْرُهُ. قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ: فَفِي مِلْكِهِ وَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ عَشَّشَ طَائِرٌ فِي مِلْكِهِ فَأَخَذَ فَرْخَهُ غَيْرُهُ، وَفِيمَا إذَا دَخَلَ السَّمَكُ مَعَ الْمَاءِ حَوْضَهُ، وَفِيمَا إذَا وَقَعَ الثَّلْجُ فِي مِلْكِهِ فَأَخَذَهُ غَيْرُهُ، وَفِيمَا إذَا أَحْيَا مَا تَحَجَّرَهُ غَيْرُهُ، لَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمُحْيِيَ يَمْلِكُ، وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَيْلُهُمْ إلَى الْمَنْعِ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّ الْمُتَحَجِّرَ غَيْرُ مَالِكٍ، فَلَيْسَ الْإِحْيَاءُ تَصَرُّفًا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ هَذِهِ الصُّوَرِ ا هـ. وَالْمُعْتَمَدُ فِي مَسْأَلَةِ النِّثَارِ أَنَّ مَنْ أَخَذَهُ لَا يَمْلِكُهُ كَمَا رَجَّحَهُ الشَّارِحُ، بِخِلَافِهِ فِي غَيْرِهَا كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي أَبْوَابِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقْوَى؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِيمَا هُوَ مُلَابِسٌ لَهُ بِخِلَافِ غَيْرِهَا. وَالصَّبِيُّ يَمْلِكُ مَا الْتَقَطَهُ وَالسَّيِّدُ يَمْلِكُ مَا الْتَقَطَهُ رَقِيقُهُ. خَاتِمَةٌ: فِي آدَابِ الْأَكْلِ: تُسَنُّ التَّسْمِيَةُ قَبْلَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَوْ مِنْ جُنُبٍ وَحَائِضٍ لِلْأَمْرِ بِهَا فِي الْأَكْلِ وَيُقَاسُ بِهِ الشُّرْبُ، وَلَوْ سَمَّى مَعَ كُلِّ لُقْمَةٍ فَهُوَ حَسَنٌ، وَأَقَلُّهَا بِسْمِ اللَّهِ، وَأَكْمَلُهَا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهِيَ سُنَّةُ كِفَايَةٍ لِلْجَمَاعَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ تُسَنُّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ، فَإِنْ تَرَكَهَا أَوَّلَهُ أَتَى بِهَا فِي أَثْنَائِهِ، فَإِنْ تَرَكَهَا فِي أَثْنَائِهِ أَتَى بِهَا فِي آخِرِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَتَقَيَّأُ مَا أَكَلَهُ أَوْ شَرِبَهُ، وَيُسَنُّ الْحَمْدُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ ذَلِكَ وَيَجْهَرُ بِهِمَا لِيُقْتَدَى بِهِ فِيهِمَا، وَيُسَنُّ غَسْلُ الْيَدِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، لَكِنَّ الْمَالِكَ يَبْتَدِئُ بِهِ فِيمَا قَبْلَهُ وَيَتَأَخَّرُ بِهِ فِيمَا بَعْدَهُ لِيَدْعُوَ النَّاسَ إلَى كَرَمِهِ، وَيُسَنُّ أَنْ يَأْكُلَ بِثَلَاثِ أَصَابِعَ لِلِاتِّبَاعِ، وَتُسَنُّ الْجَمَاعَةُ وَالْحَدِيثُ غَيْرُ الْمُحَرَّمِ كَحِكَايَةِ الصَّالِحِينَ عَلَى الطَّعَامِ وَتَقْلِيلُ الْكَلَامِ أَوْلَى، وَيُسَنُّ لَعْقُ الْإِنَاءِ وَالْأَصَابِعِ، وَأَكْلُ سَاقِطٍ لَمْ يَتَنَجَّسْ، أَوْ تَنَجَّسَ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ تَطْهِيرُهُ وَطَهُرَ، وَيُسَنُّ مُوَاكَلَةُ عَبِيدِهِ وَصِغَارِهِ وَزَوْجَاتِهِ، وَأَنْ لَا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِطَعَامٍ إلَّا لِعُذْرٍ كَدَوَاءٍ بَلْ يُؤْثِرُهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا يَقُومُ الْمَالِكُ عَنْ الطَّعَامِ وَغَيْرُهُ يَأْكُلُ مَا دَامَ يَظُنُّ بِهِ حَاجَةً إلَى الْأَكْلِ وَمِثْلُهُ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ، وَأَنْ يُرَحِّبَ بِضَيْفِهِ وَيُكْرِمَهُ، وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَى حُصُولِهِ ضَيْفًا عِنْدَهُ، وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مُتَّكِئًا وَهُوَ الْجَالِسُ مُتَعَمِّدًا عَلَى وِطَاءٍ تَحْتَهُ كَقُعُودِ مَنْ يُرِيدُ الْإِكْثَارَ مِنْ الطَّعَامِ. قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ، وَأَشَارَ غَيْرُهُ إلَى أَنَّهُ الْمَائِلُ إلَى جَنْبِهِ، وَمِثْلُهُ الْمُضْطَجِعُ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى، وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مِمَّا يَلِي غَيْرَهُ وَمِنْ الْأَعْلَى وَالْوَسَطِ، وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى تَحْرِيمِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْإِيذَاءِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ نَحْوُ الْفَاكِهَةِ مِمَّا يُتَنَقَّلُ بِهِ فَيَأْخُذُ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ، وَيُكْرَهُ تَقْرِيبُ فَمِهِ مِنْ الطَّعَامِ بِحَيْثُ يَقَعُ مِنْ فَمِهِ إلَيْهِ شَيْءٌ وَذَمُّهُ، لَا قَوْلُهُ لَا أَشْتَهِيهِ أَوْ مَا اعْتَدْت أَكْلَهُ، وَيُكْرَهُ نَفْضُ يَدِهِ فِي الْقَصْعَةِ وَالشُّرْبُ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ، وَالْأَكْلُ بِالشِّمَالِ وَالتَّنَفُّسُ وَالنَّفْخُ فِي الْإِنَاءِ، وَالْبُزَاقُ وَالْمُخَاطُ حَالَ أَكْلِهِمْ، وَقَرْنُ تَمْرَتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا كَعِنَبَتَيْنِ بِغَيْرِ إذْنِ الشُّرَكَاءِ. وَيُسَنُّ لِلضَّيْفِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ أَنْ يَدْعُوَ لِلْمُضِيفِ كَأَنْ يَقُولَ: أَكَلَ طَعَامَكُمْ الْأَبْرَارُ، وَأَفْطَرَ عِنْدَكُمْ الصَّائِمُونَ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَكُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ. وَيُسَنُّ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَقُرَيْشٍ، ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيُنْدَبُ أَنْ يَشْرَبَ بِثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ بِالتَّسْمِيَةِ فِي أَوَائِلِهَا وَبِالْحَمْدِ فِي أَوَاخِرِهَا، وَيَقُولُ فِي آخِرِ الْأَوَّلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَيَزِيدُ فِي الثَّانِي: رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَفِي الثَّالِثِ: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَأَنْ يَنْظُرَ فِي الْكُوزِ قَبْلَ الشُّرْبِ، وَلَا يَتَجَشَّأُ فِيهِ بَلْ يُنَحِّيهِ عَنْ فَمِهِ بِالْحَمْدِ وَيَرُدَّهُ بِالتَّسْمِيَةِ، وَالشُّرْبُ قَائِمًا خِلَافُ الْأَوْلَى. وَمِنْ آدَابِ الْأَكْلِ: أَنْ يَلْتَقِطَ فُتَاتَ الطَّعَامِ، وَأَنْ يَقُولَ الْمَالِكُ لِضَيْفِهِ وَلِغَيْرِهِ كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ إذَا رَفَعَ يَدَهُ مِنْ الطَّعَامِ: كُلْ، وَيُكَرِّرَهُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ اكْتَفَى مِنْهُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، وَأَنْ يَتَخَلَّلَ، وَلَا يَبْتَلِعَ مَا يَخْرُجُ مِنْ أَسْنَانِهِ بِالْخِلَالِ بَلْ يَرْمِيهِ، وَيَتَمَضْمَضُ بِخِلَافِ مَا يَجْمَعُهُ بِلِسَانِهِ مِنْ بَيْنِهَا فَإِنَّهُ يَبْلَعُهُ، وَأَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ أَكْلِهِ اللَّحْمَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً مِنْ الْخُبْزِ حَتَّى يَسُدَّ الْخَلَلَ، وَأَنْ لَا يَشُمَّ الطَّعَامَ، وَلَا يَأْكُلَهُ حَارًّا حَتَّى يَبْرُدَ. وَمِنْ آدَابِ الضَّيْفِ: أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا بِإِذْنِ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ، وَأَنْ لَا يَجْلِسَ فِي مُقَابَلَةِ حُجْرَةِ النِّسَاءِ وَسُتْرَتِهِنَّ، وَأَنْ لَا يُكْثِرَ النَّظَرَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ الطَّعَامُ. وَمِنْ آدَابِ الْمُضِيفِ: أَنْ يُشَيِّعَ الضَّيْفَ عِنْدَ خُرُوجِهِ إلَى بَابِ الدَّارِ، وَيَنْبَغِي لِلْآكِلِ أَنْ يُقَدِّمَ الْفَاكِهَةَ ثُمَّ اللَّحْمَ ثُمَّ الْحَلَاوَةَ، وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ الْفَاكِهَةُ لِأَنَّهَا أَسْرَعُ اسْتِحَالَةً، فَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ أَسْفَلَ الْمَعِدَةِ، وَيُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَائِدَةِ بَقْلٌ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ كِتَابُ الْقَسْمِ وَالنُّشُوزُ
المتن: يَخْتَصُّ الْقَسْمُ بِزَوْجَاتٍ.
الشَّرْحُ: كِتَابُ الْقَسْمِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ مَصْدَرُ قَسَمْت الشَّيْءَ. وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَالنَّصِيبُ، وَالْقَسَمُ بِفَتْحِ الْقَافِ، وَالسِّينِ: الْيَمِينُ (وَالنُّشُوزُ) هُوَ الْخُرُوجُ عَنْ الطَّاعَةِ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّرْجَمَةِ وَعِشْرَةُ النِّسَاءِ، إذْ هُوَ مَقْصُودُ الْبَابِ (يَخْتَصُّ الْقَسْمُ) أَيْ وُجُوبُهُ (بِزَوْجَاتٍ) أَيْ بِثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فَأَكْثَر وَلَوْ كُنَّ غَيْرَ حَرَائِرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا} أَيْ فِي الْقَسْمِ الْوَاجِبِ {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فَأَشْعَرَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَلَا دَخْلَ لِلْإِمَاءِ غَيْرِ الزَّوْجَاتِ فِيهِ وَإِنْ كُنَّ مُسْتَوْلَدَاتٍ أَوْ مَعَ زَوْجَاتٍ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الِاسْتِمْتَاعِ، وَالْمُرَادُ بِالِاخْتِصَاصِ الْوُجُوبُ كَمَا مَرَّ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فِي الْإِمَاءِ كَيْ لَا يَحْقِدَ بَعْضُ الْإِمَاءِ عَلَى بَعْضٍ. وَيُسَنُّ أَيْضًا عَدَمُ تَعْطِيلِهِنَّ. تَنْبِيهٌ: إدْخَالُ الْبَاءِ عَلَى الْمَقْصُورِ عَلَيْهِ خِلَافُ الْكَثِيرِ مِنْ دُخُولِهَا عَلَى الْمَقْصُورِ، فَلَا حَاجَةَ حِينَئِذٍ لِدَعْوَى بَعْضِهِمْ الْقَلْبَ فِي كَلَامِ الْمَتْنِ الَّذِي هُوَ خِلَافُ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ وَلَا الرَّجْعِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ فِي حُكْمِ الزَّوْجَاتِ لِتَعَارُضِ الْمَانِعِ وَالْمُقْتَضَى.
المتن: وَمَنْ بَاتَ عِنْدَ بَعْضِ نِسْوَتِهِ لَزِمَهُ عِنْدَ مَنْ بَقِيَ.
الشَّرْحُ: (وَ) الْمُرَادُ مِنْ الْقَسْمِ لِلزَّوْجَاتِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ اللَّيْلُ كَمَا سَيَأْتِي أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُنَّ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَلَهُ تَرْكُهُ، بَلْ (مَنْ بَاتَ عِنْدَ بَعْضِ نِسْوَتِهِ) بِقُرْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا (لَزِمَهُ) وَلَوْ عِنِّينًا وَمَجْبُوبًا وَمَرِيضًا الْمَبِيتُ (عِنْدَ مَنْ بَقِيَ) مِنْهُنَّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذَا كَانَ عِنْدَ الرَّجُلِ امْرَأَتَانِ فَلَمْ يَعْدِلْ بَيْنَهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ أَوْ سَاقِطٌ} رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ. {وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ وَيُطَافُ بِهِ عَلَيْهِنَّ فِي مَرَضِهِ حَتَّى رَضِينَ بِتَمْرِيضِهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا}. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُذْرَ وَالْمَرَضَ لَا يُسْقِطُ الْقَسْمَ، وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْقَسْمَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ خِلَافًا لِلْإِصْطَخْرِيِّ فِي عَدَمِ وُجُوبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ تَكَرُّمًا. تَنْبِيهٌ: عِبَارَتُهُ تُوهِمُ أَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ الْقَسْمُ إذَا بَاتَ عِنْدَ وَاحِدَةٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ يَجِبُ عِنْدَ إرَادَتِهِ ذَلِكَ، وَيَحْرُمُ الِابْتِدَاءُ بِوَاحِدَةٍ بِلَا قُرْعَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ، وَقَوْلُهُ: بَاتَ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ يُقِيمُ عِنْدَ إحْدَاهُنَّ نَهَارًا يَجُوزُ عَلَى الدَّوَامِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ لِعَدَمِ الْبَيْتُوتَةِ؛ لِأَنَّ بَاتَ فِي اللُّغَةِ يَكُونُ بِاللَّيْلِ غَالِبًا، وَهُوَ بَعِيدٌ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ بَاتَ فِي كَلَامِهِ بِمَعْنَى صَارَ، فَلَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}. وَلَا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالنَّشَاطِ وَالشَّهْوَةِ، وَهِيَ لَا تَتَأَتَّى فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَا فِي سَائِرِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، وَلَا يُؤَاخَذُ بِمَيْلِ الْقَلْبِ إلَى بَعْضِهِنَّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَيَقُولُ: {اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ، وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إسْنَادَهُ. . وَيَجُوزُ أَنْ يُؤْثِرَ بَعْضَ نِسَائِهِ بِالتَّبَرُّعِ دُونَ بَعْضٍ وَإِنْ اسْتَوْحَشَ بِذَلِكَ، وَالْأَوْلَى التَّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ وَفِي سَائِرِ الِاسْتِمْتَاعَاتِ.
المتن: وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْهُنَّ أَوْ عَنْ الْوَاحِدَةِ لَمْ يَأْثَمْ.
الشَّرْحُ: (وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْهُنَّ) ابْتِدَاءً أَوْ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ نَوْبَةٍ أَوْ أَكْثَرَ (أَوْ عَنْ الْوَاحِدَةِ) الَّتِي لَيْسَ تَحْتَهُ غَيْرُهَا فَلَمْ يَبِتْ عِنْدَهُنَّ وَلَا عِنْدَهَا (لَمْ يَأْثَمْ) لِأَنَّهُ حَقُّهُ كَمَا مَرَّ فَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ كَسُكْنَى الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ؛ وَلِأَنَّ فِي دَاعِيَةٍ الطَّبْعِ مَا يُغْنِي عَنْ إيجَابِهِ. تَنْبِيهٌ: عِبَارَةُ الْمُحَرَّرِ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ الطَّلَبُ، وَهِيَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمُصَنِّفِ، إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْإِثْمِ عَدَمُ الطَّلَبِ بِدَلِيلِ الْمَدْيُونِ قَبْلَ الطَّلَبِ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الدَّفْعِ.
المتن: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعَطِّلَهُنَّ.
الشَّرْحُ: (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعَطِّلَهُنَّ) مِنْ الْمَبِيتِ وَلَا الْوَاحِدَةَ بِأَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُنَّ أَوْ عِنْدَهَا وَيُحْصِنَهَا وَيُحْصِنَهُنَّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُعَاشَرَةِ بِالْمَعْرُوفِ؛ وَلِأَنَّ تَرْكَهُ قَدْ يُؤَدِّي إلَى الْفُجُورِ، وَأَوْلَى دَرَجَاتِ الْوَاحِدَةِ أَنْ لَا يُخَلِّيَهَا كُلَّ أَرْبَعِ لَيَالٍ عَنْ لَيْلَةٍ اعْتِبَارًا بِمَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ. قَالَ الْقَمُولِيُّ فِي الْجَوَاهِرِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يَنَامَا فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ فِي الِانْفِرَادِ، سِيَّمَا إذَا عَرَفَ حِرْصَهَا عَلَى ذَلِكَ.
المتن: وَتَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ مَرِيضَةٌ وَرَتْقَاءُ وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ، لَا نَاشِزَةٌ.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ، فَقَالَ: (وَيَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ مَرِيضَةٌ) وَقَرْنَاءُ (وَرَتْقَاءُ وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ) وَمَنْ آلَى مِنْهَا أَوْ ظَاهَرَ وَمُحْرِمَةٌ وَمَجْنُونَةٌ لَا يَخَافُ مِنْهَا. قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَكَذَا كُلُّ مَنْ بِهَا عُذْرٌ شَرْعِيٌّ أَوْ طَبِيعِيٌّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الْأُنْسُ لَا الِاسْتِمْتَاعُ. أَمَّا الْمَجْنُونَةُ الَّتِي يَخَافُ مِنْهَا وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهَا نُشُوزٌ وَهِيَ مُسَلِّمَةٌ لَهُ فَلَا يَجِبُ لَهَا قَسْمٌ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِنْ اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ، فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ قَوْلِنَا: وَضَابِطُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ كُلُّ مَنْ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا وَلَمْ تَكُنْ مُطَلَّقَةً لِتَخْرُجَ الرَّجْعِيَّةُ. وَيُسْتَثْنَى مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَرِيضَةِ الْقَسْمَ مَا لَوْ سَافَرَ بِنِسَائِهِ فَتَخَلَّفَتْ وَاحِدَةٌ لِمَرَضٍ فَلَا قَسْمَ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَمَا نَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ تَصْرِيحِ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرَّهُ. وَضَابِطُ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ كُلُّ امْرَأَةٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا فَلَا تَسْتَحِقُّهُ أَمَةٌ لَمْ تُسَلِّمْ لِلزَّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ، وَلَا الْمَحْبُوسَةُ، وَلَا الْمَغْصُوبَةُ، وَ (لَا نَاشِزَةٌ) بِخُرُوجِهَا عَنْ طَاعَةِ زَوْجِهَا كَأَنْ خَرَجَتْ مِنْ مَسْكَنِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، أَوْ لَمْ تَفْتَحْ لَهُ الْبَابَ لِيَدْخُلَ، أَوْ لَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا بِلَا عُذْرٍ لَهَا كَمَرَضٍ وَإِلَّا فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، أَوْ دَعَاهَا فَاشْتَغَلَتْ بِحَاجَتِهَا، أَوْ ادَّعَتْ الطَّلَاقَ، وَفِي مَعْنَى النَّاشِزِ الْمُعْتَدَّةُ عَنْ شُبْهَةٍ لِتَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِهَا، وَنُشُوزُ الْمَجْنُونَةِ كَالْعَاقِلَةِ لَكِنَّهَا لَا تَأْثَمُ. وَضَابِطُ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسْمُ: كُلُّ زَوْجٍ عَاقِلٍ وَلَوْ سَكْرَانَ أَوْ سَفِيهًا أَوْ مُرَاهِقًا، فَإِنْ جَارَ أَوْ تَقَطَّعَ وَلَمْ يَنْضَبِطْ فَلَا يَلْزَمُ الْوَلِيَّ الطَّوَافُ بِهِ عَلَيْهِنَّ، سَوَاءٌ أَمِنَ مِنْهُ الضَّرَرَ أَمْ لَا، إلَّا إنْ طُولِبَ بِقَضَاءِ قَسْمٍ وَقَعَ مِنْهُ، أَوْ كَانَ الْجِمَاعُ يَنْفَعُهُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، أَوْ مَالَ إلَيْهِ بِمَيْلِهِ إلَى النِّسَاءِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يَطُوفَ بِهِ عَلَيْهِنَّ أَوْ يَدْعُوَهُنَّ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَطُوفَ بِهِ عَلَى بَعْضِهِنَّ، وَيَدْعُوَ بَعْضَهُنَّ إذَا كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ بِحَسَبِ مَا يَرَى. وَإِذَا قَسَمَ لِوَاحِدَةٍ فِي الْجُنُونِ وَأَفَاقَ فِي نَوْبَةِ الْأُخْرَى اُنْتُظِرَتْ إفَاقَةُ الْأُخْرَى وَقَضَى فِيهَا إقَامَتَهُ عِنْدَ تِلْكَ فِي الْجُنُونِ، فَإِنْ ضَرَّهُ الْجِمَاعُ بِقَوْلِهِمْ وَجَبَ عَلَى وَلِيِّهِ مَنْعُهُ مِنْهُ، فَإِنْ تَقَطَّعَ الْجُنُونُ وَانْضَبَطَ كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ قَسَمَ بِنَفْسِهِ أَيَّامَ الْإِفَاقَةِ وَيَلْغُو أَيَّامُ الْجُنُونِ كَأَيَّامِ الْغَيْبَةِ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ الْمُتَوَلِّي: يُرَاعَى الْقَسْمُ فِي أَيَّامِ الْإِفَاقَةِ وَيُرَاعِيهِ الْوَلِيُّ فِي أَيَّامِ الْجُنُونِ وَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ نَوْبَةٌ مِنْ هَذِهِ وَنَوْبَةٌ مِنْ هَذِهِ، وَهَذَا حَسَنٌ، وَأَطْلَقَ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ الْأُمِّ أَنَّ عَلَى الْمَحْبُوسِ الْقَسْمَ، وَأَنَّ مَنْ امْتَنَعَتْ مِنْ إتْيَانِهِ سَقَطَ حَقُّهَا مِنْهُ. وَقَالَ الْعِمْرَانِيُّ: إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَأْوِينَ مَعَهُ فِيهِ فَهُنَّ عَلَى حَقِّهِنَّ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَصْلُحَ لِلسُّكْنَى. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنْ لَمْ يُمْكِنُهُنَّ لِكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ مِنْ الرِّجَالِ هُنَاكَ أَوْ مُنِعَ مِنْ النِّسَاءِ سَقَطَ الْقَسْمُ، وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ. وَلَوْ حَبَسَتْهُ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ عَلَى حَقِّهَا فَلَيْسَ لِلْأُخْرَى أَنْ تَبِيتَ مَعَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ لِئَلَّا يَتَّخِذَ الْحَبْسَ مَسْكَنًا.
المتن: فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِمَسْكَنٍ دَارَ عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ، وَإِنْ انْفَرَدَ فَالْأَفْضَلُ الْمُضِيُّ إلَيْهِنَّ، وَلَهُ دُعَاؤُهُنَّ، وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ ذَهَابِهِ إلَى بَعْضٍ وَدُعَاءِ بَعْضٍ، إلَّا لِغَرَضٍ كَقُرْبِ مَسْكَنِ مَنْ مَضَى إلَيْهَا أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ) الزَّوْجُ عَنْ نِسَائِهِ (بِمَسْكَنٍ) لَهُ (دَارَ) وُجُوبًا (عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ) تَوْفِيَةً لِحَقِّ الْقَسْمِ (وَإِنْ انْفَرَدَ) بِمَسْكَنٍ (فَالْأَفْضَلُ الْمُضِيُّ إلَيْهِنَّ) اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصِيَانَةً لَهُنَّ عَنْ الْخُرُوجِ (وَلَهُ دُعَاؤُهُنَّ) إلَى مَسْكَنِهِ وَعَلَيْهِنَّ الْإِجَابَةُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ لَهُ، وَمَنْ امْتَنَعَتْ مِنْهُنَّ فَهِيَ نَاشِزَةٌ أَيْ حَيْثُ لَا عُذْرَ، فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ عُذِرَتْ وَبَقِيَتْ عَلَى حَقِّهَا، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ: إنْ مَنَعَهَا مَرَضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهَا مَنْ يَحْمِلُهَا إلَيْهِ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَرَضِ الْمَعْجُوزِ مَعَهُ عَنْ الرُّكُوبِ. وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهِ، وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مَا إذَا كَانَتْ ذَاتَ قَدْرٍ وَخَفَرٍ وَلَمْ تَعْتَدِ الْبُرُوزَ فَلَا تَلْزَمُهَا إجَابَتُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَ لَهَا فِي بَيْتِهَا. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُوَ حَسَنٌ وَإِنْ اسْتَغْرَبَهُ الرُّويَانِيُّ. وَأَمَّا الْمَطَرُ وَالْوَحْلُ الشَّدِيدَانِ وَنَحْوُهَا، فَإِنْ بَعَثَ لَهَا مَرْكُوبًا وَوِقَايَةً مِنْ الْمَطَرِ فَلَا عُذْرَ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عُذْرًا، وَيَخْتَلِفُ هَذَا بِاخْتِلَافِ النَّاسِ (وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ ذَهَابِهِ إلَى بَعْضٍ) مِنْ نِسَائِهِ (وَدُعَاءِ بَعْضٍ) مِنْهُنَّ لِمَسْكَنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْوَحْشَةِ، وَلِمَا فِي تَفْضِيلِ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ مِنْ تَرْكِ الْعَدْلِ. وَالثَّانِي: لَا كَمَا لَهُ الْمُسَافَرَةُ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَهَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ، وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ. وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَهُمْ الْأَقَلُّونَ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمُسَافَرَةِ بِأَنَّهَا تَكُونُ بِالْقُرْعَةِ، وَهِيَ تَدْفَعُ الْوَحْشَةَ وَإِنْ أَقْرَعَ هُنَا. قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِقَوْلِهِ: يَنْبَغِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ أَنْ يُحْمَلَ النَّصُّ عَلَى مَا إذَا كَانَ ثَمَّ عُذْرٌ كَمَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (إلَّا لِغَرَضٍ كَقُرْبِ مَسْكَنِ مَنْ مَضَى إلَيْهَا) دُونَ الْأُخْرَى (أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا) لِكَوْنِهَا جَمِيلَةً مَثَلًا دُونَ غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا دَمِيمَةً أَوْ حَصَلَ تَرَاضٍ أَوْ قُرْعَةٌ كَمَا مَرَّ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ، وَيَلْزَمُ مَنْ دَعَاهَا الْإِجَابَةُ، فَإِنْ أَبَتْ بَطَلَ حَقُّهَا.
المتن: وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ بِمَسْكَنِ وَاحِدَةٍ وَيَدْعُوهُنَّ إلَيْهِ.
الشَّرْحُ: (وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ بِمَسْكَنِ وَاحِدَةٍ) مِنْهُنَّ (وَيَدْعُوهُنَّ) أَيْ مَنْ بَقِيَ مِنْهُنَّ (إلَيْهِ) لِأَنَّ إتْيَانَ بَيْتِ الضَّرَّةِ شَاقٌّ عَلَى النَّفْسِ، وَلَا يَلْزَمُهُنَّ الْإِجَابَةُ، فَإِنْ أَجَبْنَ فَلِصَاحِبَةِ الْبَيْتِ الْمَنْعُ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ مِلْكَ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ حَقَّ السُّكْنَى فِيهِ لَهَا كَمَا قَالَهُ ابْنُ دَاوُد. تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ بِالْإِقَامَةِ يَقْتَضِي الدَّوَامَ، وَبَحَثَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ وَلَوْ مَكَثَ أَيَّامًا لَا عَلَى نِيَّةِ الْإِقَامَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَلَوْ رَضِينَ كُلُّهُنَّ بِذَلِكَ جَازَ، وَلَوْ قَالَ: إلَّا بِرِضَاهُنَّ كَالَّتِي بَعْدَهَا لَكَانَ أَوْلَى.
المتن: وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ ضَرَّتَيْنِ فِي مَسْكَنٍ إلَّا بِرِضَاهُمَا.
الشَّرْحُ: (وَ) يَحْرُمُ (أَنْ يَجْمَعَ) وَلَوْ لَيْلَةً وَاحِدَةً (بَيْنَ ضَرَّتَيْنِ) فَأَكْثَر (فِي مَسْكَنٍ) أَيْ بَيْتٍ وَاحِدٍ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ التَّبَاغُضِ (إلَّا بِرِضَاهُمَا) فَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا، وَلَوْ رَجَعَا بَعْدَ الرِّضَا كَانَ لَهُمَا ذَلِكَ. تَنْبِيهٌ: التَّعْبِيرُ بِالْمَسْكَنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فِي السَّفَرِ إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِخَيْمَةٍ وَمَرَافِقٍ، وَهُوَ ظَاهِرٌ لِمَا فِي إيجَابِ ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ بِالزَّوْجِ، وَضَرَرُ الزَّوْجَاتِ لَا يَتَأَبَّدُ فَيُحْتَمَلُ، وَإِذَا رَضِيَتَا بِالْبَيْتِ الْوَاحِدِ. قَالَ الشَّيْخَانِ: كُرِهَ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ الْمُرُوءَةِ، وَظَاهِرُهُ كَرَاهَةُ التَّنْزِيهِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى التَّنْبِيهِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ تَحْرِيمُ ذَلِكَ، وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَصَوَّبَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَقَالَ إنَّهُ مُقْتَضَى نَصِّهِ فِي الْأُمِّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْعِشْرَةِ وَطَرْحِ الْحَيَاءِ ا هـ. وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ مَحَلُّ التَّحْرِيمِ إذَا كَانَتْ إحْدَاهُمَا تَرَى عَوْرَةَ الْأُخْرَى، وَلَوْ طَلَبَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَامْتَنَعَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا الْإِجَابَةُ، وَلَا تَصِيرُ نَاشِزَةً بِالِامْتِنَاعِ قَالَهُ الشَّيْخَانِ مَعَ قَوْلِهِمَا بِكَرَاهَةِ الْوَطْءِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: ضَرَّتَيْنِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّوْجَةِ وَالسُّرِّيَّةِ؛ لِأَنَّ الْجَوْهَرِيَّ فَسَّرَ الضَّرَّةَ بِالزَّوْجَةِ، لَكِنْ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِأَنَّهُمَا كَالزَّوْجَتَيْنِ، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ رِضَا الزَّوْجَةِ فَقَطْ؛ لِأَنَّ السُّرِّيَّةَ لَا يُشْتَرَطُ رِضَاهَا؛ لِأَنَّ لَهُ جَمْعَ إمَائِهِ بِمَسْكَنٍ وَهِيَ أَمَةٌ، وَلَوْ اشْتَمَلَتْ دَارٌ عَلَى حُجُرَاتٍ مُفْرَدَةِ الْمَرَافِقِ جَازَ إسْكَانُ الضَّرَّاتِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ رِضَاهُنَّ، وَالْعُلْوُ وَالسُّفْلُ إنْ تَمَيَّزَتْ الْمَرَافِقُ مَسْكَنَانِ.
المتن: وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَ الْقَسْمَ عَلَى لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا.
الشَّرْحُ: ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ زَمَانِ الْقَسْمِ وَقَدْرِهِ، فَقَالَ (وَلَهُ) أَيْ لِلزَّوْجِ الْمُقِيمِ (أَنْ يُرَتِّبَ الْقَسْمَ عَلَى لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا) وَهُوَ أَوْلَى، وَعَلَيْهِ التَّوَارِيخُ الشَّرْعِيَّةُ، فَإِنَّ أَوَّلَ الْأَشْهُرِ اللَّيَالِي، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ اعْتِبَارُ اللَّيْلِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَالْوَجْهُ الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعُرْفِ الْغَالِبِ ا هـ. وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَبْقَى فِي حَانُوتِهِ إلَى هُدْوَةٍ مِنْ اللَّيْلِ.
المتن: وَالْأَصْلُ اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ تَبَعٌ، فَإِنْ عَمِلَ لَيْلًا وَسَكَنَ نَهَارًا كَحَارِسٍ فَعَكْسُهُ.
الشَّرْحُ: (وَالْأَصْلُ) فِي الْقَسْمِ مِنْ مُقِيمٍ مَعِيشَتُهُ نَهَارًا (اللَّيْلُ) لِأَنَّهُ وَقْتُ السُّكُونِ (وَالنَّهَارُ تَبَعٌ) لَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الِانْتِشَارِ فِي طَلَبِ الْمَعَاشِ. قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا} (فَإِنْ عَمِلَ لَيْلًا وَسَكَنَ نَهَارًا كَحَارِسٍ) وَوَقَّادِ حَمَّامٍ (فَعَكْسُهُ) فَيَكُونُ النَّهَارُ فِي حَقِّهِ أَصْلًا وَاللَّيْلُ تَبَعٌ لَهُ لِسُكُونِهِ بِالنَّهَارِ وَمَعَاشِهِ بِاللَّيْلِ، فَلَوْ كَانَ يَعْمَلُ تَارَةً بِالنَّهَارِ وَتَارَةً بِاللَّيْلِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْسِمَ لِوَاحِدَةٍ لَيْلَةً تَابِعَةً وَنَهَارًا مَتْبُوعًا وَلِأُخْرَى عَكْسُهُ عَلَى الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ لِتَفَاوُتِ الْغَرَضِ، أَمَّا الْمُسَافِرُ فَعِمَادُهُ وَقْتُ نُزُولِهِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ الْخَلْوَةَ وَالسُّكُونَ حِينَئِذٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْ الْعِلَّةِ مَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ الْخَلْوَةُ إلَّا حَالَةَ السَّيْرِ كَأَنْ كَانَ بِمِحَفَّةٍ وَحَالَةُ النُّزُولِ يَكُونُ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي نَحْوِ خَيْمَةٍ كَانَ عِمَادُ قَسْمِهِ حَالَةَ سَيْرِهِ دُونَ حَالَةِ نُزُولِهِ حَتَّى يَلْزَمَهُ التَّسْوِيَةُ فِي ذَلِكَ.
المتن: وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي نَوْبَةٍ عَلَى أُخْرَى لَيْلًا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ، وَحِينَئِذٍ إنْ طَالَ مُكْثُهُ قَضَى وَإِلَّا فَلَا.
الشَّرْحُ: (وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ) أَيْ مَنْ لَيْلُهُ أَصْلٌ (دُخُولٌ) وَلَوْ لِحَاجَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَعِيَادَةٍ (فِي نَوْبَةٍ عَلَى) زَوْجَةٍ (أُخْرَى لَيْلًا) لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ ذَاتِ النَّوْبَةِ، وَاحْتُرِزَ بِالْأَوَّلِ عَمَّنْ عِمَادُهُ النَّهَارُ فَإِنَّ لَهُ الدُّخُولَ لَيْلًا لِوَضْعِ مَتَاعٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَوَّلُ نَهَارًا، وَلَوْ قَالَ وَمَا جَعَلْنَاهُ أَصْلًا لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِيهِ عَلَى غَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ لَكَانَ أَشْمَلَ (إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا الْمَخُوفِ) وَشِدَّةِ الطَّلْقِ، وَخَوْفِ النَّهْبِ وَالْحَرْقِ، وَقَدْ يَخْرُجُ مَا لَوْ اُحْتُمِلَ ذَلِكَ وَأَرَادَ الدُّخُولَ لِيَتَبَيَّنَ حَالَ الْمَرَضِ، وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ (وَحِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ الدُّخُولِ لِضَرُورَةٍ (إنْ طَالَ مُكْثُهُ) عُرْفًا (قَضَى) مِنْ نَوْبَةِ الْمَدْخُولِ عَلَيْهَا مِثْلَ مُكْثِهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ لَا يَسْقُطُ بِالْعُذْرِ، وَمَثَّلَا فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا طُولَ الْمُكْثِ بِسَاعَةٍ طَوِيلَةٍ، وَنَقَلَا عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ تَقْدِيرَهُ بِثُلُثِ اللَّيْلِ. ثُمَّ قَالَا: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ أَيْ فَالْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ كَمَا مَرَّ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ مُكْثُهُ (فَلَا) يَقْضِي لِقِلَّتِهِ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَيَأْثَمُ انْتَهَى، وَلَا وَجْهَ لِتَأْثِيمِهِ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ لِضَرُورَةٍ، وَإِنَّمَا يَأْثَمُ إذَا تَعَدَّى بِالدُّخُولِ وَإِنْ لَمْ يُطِلْ الْمُكْثَ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا. تَنْبِيهٌ: قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَحِينَئِذٍ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَقْضِي إذَا دَخَلَ بِلَا ضَرُورَةٍ وَطَالَ مُكْثُهُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَلَوْ تَعَدَّى بِالدُّخُولِ قَضَى إنْ طَالَ مُكْثُهُ وَإِلَّا فَلَا، لَكِنْ يَعْصِي، وَلَوْ جَامَعَ مَنْ دَخَلَ عَلَيْهَا فِي لَيْلَةِ غَيْرِهَا عَصَى، وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَنُ وَكَانَ لِضَرُورَةٍ. قَالَ الْإِمَامُ: وَاللَّائِقُ بِالتَّحْقِيقِ الْقَطْعُ بِأَنَّ الْجِمَاعَ لَا يُوصَفُ بِالتَّحْرِيمِ وَيُصْرَفُ التَّحْرِيمُ إلَى إيقَاعِ الْمَعْصِيَةِ لَا إلَى مَا وَقَعَتْ بِهِ الْمَعْصِيَةُ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ الْجِمَاعِ لَا لِعَيْنِهِ، بَلْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَيَقْضِي الْمُدَّةَ دُونَ الْجِمَاعِ لَا إنْ قَصُرَتْ وَمَحَلُّ وُجُوبِ الْقَضَاءِ مَا إذَا بَقِيَتْ الْمَظْلُومَةُ فِي نِكَاحِهِ، فَلَوْ مَاتَتْ الْمَظْلُومَةُ بِسَبَبِهَا فَلَا قَضَاءَ لِخُلُوصِ الْحَقِّ لِلْبَاقِيَاتِ، فَلَوْ فَارَقَ الْمَظْلُومَةَ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ، ثُمَّ إنْ عَادَتْ بَعْدَ فِرَاقِ مَنْ ظَلَمَ بِهَا تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ لِخُلُوصِ الْحَقِّ لَهَا، وَلَوْ أُخْرِجَ فِي اللَّيْلِ ظُلْمًا كُرْهًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: فِي الْحَاوِي. قَالَ فِي الْمَطْلَبِ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْكُتُبِ وُجُوبُهُ، وَهُوَ الْمَنْصُوصُ، وَلَهُ قَضَاءُ الْفَائِتِ فِي أَيِّ جُزْءٍ شَاءَ مِنْ اللَّيْلِ، وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ، وَقِيلَ: يَجِبُ وَيَعْصِي بِطَلَاقِ مَنْ لَمْ تَسْتَوْفِ حَقَّهَا بَعْدَ حُضُورِ وَقْتِهِ لِتَفْوِيتِهِ حَقَّهَا بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَهَذَا سَبَبٌ آخَرُ لِكَوْنِ الطَّلَاقِ بِدْعِيًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: وَيُتَّجَهُ أَنْ يَكُونَ الْعِصْيَانُ فِيمَا إذَا طَلَّقَهَا بِغَيْرِ سُؤَالِهَا وَإِلَّا فَلَا، فَإِنْ أَعَادَهَا وَلَوْ بِعَقْدٍ جَدِيدٍ وَالْمُسْتَوْفِيَة مَعَهُ وَلَوْ بِعَقْدٍ بَعْدَ طَلَاقٍ قَضَى الْمُعَادَةَ حَقَّهَا وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَحْسِبُ مُبِينَتَهُ مَعَ الْمَظْلُومَةِ عَنْ الْقَضَاءِ قَبْلَ عَوْدِ الْمُسْتَوْفِيَةِ لِذَلِكَ.
المتن: وَلَهُ الدُّخُولُ نَهَارًا لِوَضْعِ مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَطُولَ مُكْثُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إذَا دَخَلَ لِحَاجَةٍ وَأَنَّ لَهُ مَا سِوَى وَطْءٍ مِنْ اسْتِمْتَاعٍ، وَأَنَّهُ يَقْضِي إنْ دَخَلَ بِلَا سَبَبٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَهُ الدُّخُولُ نَهَارًا لِوَضْعِ) أَوْ أَخْذِ (مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ) كَتَسْلِيمِ نَفَقَةٍ وَتَعْرِيفِ خَبَرٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: {كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطَّوَّفُ عَلَيْنَا جَمِيعًا فَيَدْنُو مِنْ كُلِّ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ مَسِيسٍ حَتَّى يَبْلُغَ إلَى الَّتِي هُوَ يَوْمُهَا فَيَبِيتَ عِنْدَهَا} رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَفُهِمَ مِنْ كَلَامِهِ جَوَازُ الدُّخُولِ لِلضَّرُورَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى (وَيَنْبَغِي) إذَا دَخَلَ نَهَارًا لِمَا ذُكِرَ (أَنْ لَا يَطُولَ مُكْثُهُ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ تَطْوِيلُ الْمُكْثِ، لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى فَإِنْ طَالَ وَجَبَ الْقَضَاءُ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ تَبَعًا لِلنَّصِّ. قَالَ الشَّارِحُ: وَلَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخَانِ مَعَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ (وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إذَا دَخَلَ لِحَاجَةٍ) أَيْ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ؛ لِأَنَّ النَّهَارَ تَابِعٌ مَعَ وُجُودِ الْحَاجَةِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ شَيْخِي عَلَى مَا إذَا طَالَ الزَّمَانُ فَوْقَ الْحَاجَةِ، وَكَلَامُ الْمَتْنِ عَلَى مَا إذَا طَالَ الزَّمَانُ بِالْحَاجَةِ، وَرَأَيْت بَعْضَ الشُّرَّاحِ ضَعَّفَ مَا فِي الْمُهَذَّبِ، وَبَعْضَهُمْ ضَعَّفَ مَا فِي الْمَتْنِ، وَحَيْثُ أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَهُوَ أَوْلَى، وَمُقَابِلُ الصَّحِيحِ يَقْضِي إذَا طَالَ كَمَا فِي اللَّيْلِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ لِحَاجَةٍ عَمَّا إذَا دَخَلَ بِلَا سَبَبٍ، وَسَيَأْتِي (وَ) الصَّحِيحُ، وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ بِالْأَصَحِّ (أَنَّ لَهُ مَا سِوَى وَطْءٍ مِنْ اسْتِمْتَاعٍ) لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ؛ وَلِأَنَّ النَّهَارَ تَابِعٌ. وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ، أَمَّا الْوَطْءُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَطْعًا حَيْثُ أَخْرَجَهُ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ فِيهِ وَجْهٌ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِتَحْرِيمِ الْوَطْءِ، وَأَنَّ مَنْ عِمَادُ الْقَسْمِ فِي حَقِّهِ النَّهَارُ أَنَّ نَهَارَهُ كَلَيْلِ غَيْرِهِ فِي جَمِيعِ مَا مَرَّ (وَ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ ( أَنَّهُ يَقْضِي إنْ دَخَلَ) نَهَارًا (بِلَا سَبَبٍ) أَيْ يَقْضِي زَمَنَ الْإِقَامَةِ لِتَعَدِّيهِ، لَا أَنَّهُ يَقْضِي الِاسْتِمْتَاعَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ. وَالثَّانِي: لَا يَقْضِي؛ لِأَنَّ النَّهَارَ تَبَعٌ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا طَالَ الزَّمَنُ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ الْإِطْلَاقَ.
المتن: وَلَا تَجِبُ تَسْوِيَةٌ فِي الْإِقَامَةِ نَهَارًا.
الشَّرْحُ: (وَلَا تَجِبُ تَسْوِيَةٌ فِي) قَدْرِ (الْإِقَامَةِ نَهَارًا) لِتَبَعِيَّتِهِ لِلَّيْلِ؛ وَلِأَنَّهُ وَقْتُ الِانْتِشَارِ وَالتَّرَدُّدِ، وَقَدْ يَكْثُرُ فِي يَوْمٍ وَيَقِلُّ فِي آخَرَ، وَالضَّبْطُ فِيهِ عَسِرٌ بِخِلَافِ اللَّيْلِ، وَمَنْ عِمَادُ قَسْمَتِهِ النَّهَارُ فَبِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ. فَرْعٌ: لَوْ كَانَ تَحْتَهُ مَرِيضَتَانِ وَلَا مُتَعَهِّدَ لَهُمَا يَقْسِمُ اللَّيَالِيَ عَلَيْهِمَا، وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي التَّمْرِيضِ لَا بِالْقُرْعَةِ وَقَضَى لِلْبَاقِيَاتِ إنْ بَرِئَتَا، فَإِنْ مَاتَتْ الْمَرِيضَةُ تَعَذَّرَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُحْسَبُ مِنْ نَوْبَتِهَا، أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا مُتَعَهِّدٌ فَلَا يَبِيتُ عِنْدَهَا إلَّا فِي نَوْبَتِهَا.
المتن: وَأَقَلُّ نُوَبِ الْقَسْمِ لَيْلَةٌ وَهُوَ أَفْضَلُ، وَيَجُوزُ ثَلَاثًا، لَا زِيَادَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ.
الشَّرْحُ: (وَأَقَلُّ نُوَبِ الْقَسْمِ) لِمُقِيمٍ عَمَلُهُ نَهَارًا (لَيْلَةٌ) لَيْلَةٌ، وَلَا يَجُوزُ تَبْعِيضُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْوِيشِ الْعَيْشِ وَعُسْرِ ضَبْطِ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ وَلَا بِلَيْلَةٍ وَبَعْضِ أُخْرَى، وَأَمَّا طَوَافُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى رِضَاهُنَّ، أَمَّا الْمُسَافِرُ فَقَدْ مَرَّ حُكْمُهُ، وَأَمَّا مَنْ عِمَادُ قَسْمِهِ النَّهَارُ كَالْحَارِسِ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ تَبْعِيضُهُ كَتَبْعِيضِ اللَّيْلَةِ مِمَّنْ يَقْسِمُ لَيْلًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِسُهُولَةِ الضَّبْطِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ قَالَ نَوْبَةً بِالْإِفْرَادِ اسْتَغْنَى عَنْ تَكْرِيرِ لَيْلَةِ الْمُصَرَّحِ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَلَفْظَةُ " أَقَلُّ " مَزِيدَةٌ عَلَيْهِ (وَهُوَ أَفْضَلُ) مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَقْرُبَ عَهْدُهُ بِهِنَّ (وَيَجُوزُ) لَيْلَتَيْنِ وَ (ثَلَاثًا) بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ، وَقِيلَ: لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى لَيْلَةٍ إلَّا بِرِضَاهُنَّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ (لَا زِيَادَةَ) عَلَى الثَّلَاثِ بِغَيْرِ رِضَاهُنَّ (عَلَى الْمَذْهَبِ) وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ: وَإِنْ تَفَرَّقْنَ فِي الْبِلَادِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْمُهَاجَرَةِ، وَلِإِيحَاشِ الْبَاقِيَاتِ بِطُولِ الْمُقَامِ عِنْدَ الضَّرَّةِ وَقَدْ يَمُوتُ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ فَيَفُوتُ حَقُّهُنَّ، وَقِيلَ فِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثِ إلَى سَبْعٍ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يَبْلُغْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مُدَّةَ تَرَبُّصِ الْمُولِي. تَنْبِيهٌ: قَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَحْرِيمُ الزِّيَادَةِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ، أَمَّا إذَا رَضِينَ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ قَطْعًا.
المتن: وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ قُرْعَةٍ لِلِابْتِدَاءِ، وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ.
الشَّرْحُ: (وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ قُرْعَةٍ) عَلَى الزَّوْجِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ (لِلِابْتِدَاءِ) بِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عِنْدَ عَدَمِ رِضَاهُنَّ تَحَرُّزًا عَنْ التَّرْجِيحِ مَعَ اسْتِوَائِهِنَّ فِي الْحَقِّ فَيَبْدَأُ بِمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا، فَإِذَا مَضَتْ نَوْبَتُهَا أَقْرَعَ بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ، ثُمَّ بَيْنَ الْأُخْرَيَيْنِ، فَإِذَا تَمَّتْ النَّوْبَةُ رَاعَى التَّرْتِيبَ وَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَةِ الْقُرْعَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَدَأَ بِلَا قُرْعَةٍ فَإِنَّهُ يُقْرِعُ بَيْنَ الْبَاقِيَاتِ، فَإِذَا تَمَّتْ النَّوْبَةُ أَقْرَعَ لِلِابْتِدَاءِ، وَقَدْ شَمِلَ ذَلِكَ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّهُ الْآنَ كَأَنَّهُ ابْتَدَأَ الْقَسْمَ، أَمَّا إذَا رَضِينَ بِتَقْدِيمِ وَاحِدَةٍ لَمْ يُمْتَنَعْ ذَلِكَ (وَقِيلَ: يَتَخَيَّرُ) بَيْنَهُنَّ فِي ذَلِكَ فَيَبْدَأُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ.
المتن: وَلَا يُفَضِّلُ فِي قَدْرِ نَوْبَةٍ لَكِنْ لِحُرَّةٍ مِثْلَا أَمَةٍ، وَتَخْتَصُّ بِكْرٌ جَدِيدَةٌ عِنْدَ زِفَافٍ بِسَبْعٍ بِلَا قَضَاءٍ، وَثَيِّبٌ بِثَلَاثٍ، وَيُسَنُّ تَخْيِيرُهَا بَيْنَ ثَلَاثٍ بِلَا قَضَاءٍ، وَسَبْعٍ بِقَضَاءٍ.
الشَّرْحُ: (وَلَا يُفَضِّلُ) بَعْضَ نِسَائِهِ (فِي قَدْرِ نَوْبَةٍ) أَيْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ اخْتَصَّتْ بِفَضِيلَةٍ كَشَرَفٍ وَإِسْلَامٍ؛ لِأَنَّ الْقَسْمَ شُرِعَ لِلْعَدْلِ وَاجْتِنَابِ التَّفْضِيلِ الْمُفْضِي لِلْوَحْشَةِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى الْمُصَنِّفُ مِنْ عَدَمِ التَّفْضِيلِ مَسْأَلَتَيْنِ: أَشَارَ لِإِحْدَاهُمَا بِقَوْلِهِ (لَكِنْ لِحُرَّةٍ مِثْلَا أَمَةٍ) لِحَدِيثٍ فِيهِ مُرْسَلٍ، رَوَاهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَضَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ: فَكَانَ إجْمَاعًا، وَلِأَنَّ الْقَسْمَ اسْتِمْتَاعٌ، وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا غَالِبًا عَلَى النِّصْفِ إذْ لَا تُسَلِّمُ لَهُ إلَّا لَيْلًا، وَخَالَفَ حَقَّ الزِّفَافِ، إذْ الْغَرَضُ فِيهِ زَوَالُ الْحَيَاءِ وَالْحِشْمَةِ وَهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ، وَسَوَاءٌ الْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَالْمُبَعَّضَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ، كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ. وَيُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الْأَمَةِ مَعَ الْحُرَّةِ فِي صُوَرٍ: مِنْهَا أَنْ يَسْبِقَ نِكَاحُ الْأَمَةِ بِشُرُوطِهِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ رَقِيقًا أَوْ مُبَعَّضًا، وَقَوْلُ الشَّيْخَيْنِ: وَلَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْأَمَةِ جَدِيدَةً إلَّا فِي حَقِّ الْعَبْدِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْأَمَةُ الْقَسْمَ إذَا اسْتَحَقَّتْ النَّفَقَةَ بِأَنْ تَكُونَ مُسَلِّمَةً لِلزَّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا كَالْحُرَّةِ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَحَقُّ الْقَسْمِ لَهَا لَا لِسَيِّدِهَا فَهِيَ الَّتِي تَمْلِكُ إسْقَاطَهُ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الْحَظِّ فِي الْقَسْمِ لَهَا كَمَا أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ لَهَا لَا لَهُ. تَنْبِيهٌ: كَلَامُ الْمُصَنِّفِ قَدْ يُوهِمُ جَوَازَ لَيْلَتَيْنِ لَهَا إذَا كَانَ لِلْحُرَّةِ أَرْبَعَةٌ، وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ الشَّرْطُ لَيْلَةً لَهَا وَلَيْلَتَيْنِ لِلْحُرَّةِ، وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا النَّقْصُ عَنْهُ لِئَلَّا يُزَادَ الْقَسْمُ عَلَى ثَلَاثٍ أَوْ يَنْقُصَ عَنْ لَيْلَةٍ وَهُمَا مُمْتَنِعَانِ كَمَا مَرَّ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَطْرَأْ الْعِتْقُ، فَلَوْ عَتَقَتْ الْأَمَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ لَيْلَتَيْ الْحُرَّةِ وَكَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْحُرَّةِ فَالثَّانِيَةُ مِنْ لَيْلَتَيْهَا لِلْعَتِيقَةِ ثُمَّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا إنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ لَهَا عَلَى لَيْلَةٍ، وَإِلَّا فَلَهُ تَوْفِيَةُ الْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَثَلَاثًا، وَإِقَامَةُ مِثْلِ ذَلِكَ عِنْدَ الْعَتِيقَةِ، وَإِنْ عَتَقَتْ فِي الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا فَلَهُ إتْمَامُهَا وَيَبِيتُ مَعَ الْعَتِيقَةِ لَيْلَتَيْنِ، وَإِنْ خَرَجَ حِينَ الْعِتْقِ إلَى مَسْجِدٍ أَوْ بَيْتِ صَدِيقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ إلَى الْعَتِيقَةِ لَمْ يَقْضِ مَا مَضَى مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ، فَإِنْ قِيلَ: إنْ كَانَ النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِنْ اللَّيْلَةِ حَقًّا لِلْحُرَّةِ فَيَجِبُ إذَا كَمَّلَ اللَّيْلَةَ أَنْ لَا يَقْضِيَ جَمِيعَهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقًّا لَهَا فَيَجِبُ أَنْ يَقْضِيَهُ إذَا خَرَجَ فَوْرًا. . أُجِيبَ عَنْ الشِّقِّ الْأَوَّلِ بِأَنَّ نِصْفَيْ اللَّيْلَةِ كَالثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَالسَّبْعَةِ فِي حَقِّ الزِّفَافِ لِلثَّيِّبِ، فَالثَّلَاثُ حَقٌّ لَهَا، وَإِذَا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا قَضَى الْجَمِيعَ كَمَا سَيَأْتِي، فَكَذَا إذَا أَقَامَ النِّصْفَ الثَّانِيَ قَضَاهُ مَعَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ، لَكِنَّ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّ مَحَلَّهُ إذَا طَلَبَتْ مِنْهُ تَمَامَ اللَّيْلَةِ، كَمَا إذَا طَلَبَتْ الثَّيِّبُ السَّبْعَةَ وَإِلَّا فَيَقْضِي الزَّائِدَ فَقَطْ، وَعَنْ الشِّقِّ الثَّانِي بِأَنَّ الْعَتِيقَةَ قَبْلَ الْعِتْقِ لَا يَثْبُتُ لَهَا اسْتِحْقَاقٌ نَظِيرَ النِّصْفِ الْمَقْسُومِ كَمَا لَوْ كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِأَحَدِهِمَا ثُلُثُهُ وَلِلْآخَرِ ثُلُثَاهُ، فَالْمُهَايَأَةُ بَيْنَهُمَا تَكُونُ يَوْمَيْنِ وَيَوْمًا، فَإِذَا اشْتَرَى صَاحِبُ الثُّلُثِ السُّدُسَ مِنْ الْآخَرِ فِي أَثْنَاءِ الْيَوْمِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مَا مَضَى. وَإِنْ عَتَقَتْ فِي لَيْلَتِهَا قَبْلَ تَمَامِهَا زَادَهَا لَيْلَةً؛ لِالْتِحَاقِهَا بِالْحُرَّةِ قَبْلَ الْوَفَاءِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِهَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا ثُمَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا، وَلَا أَثَرَ لِعِتْقِهَا فِي يَوْمِهَا؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ، وَإِنْ كَانَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْأَمَةِ وَعَتَقَتْ فِي لَيْلَتِهَا فَكَالْحُرَّةِ فَيُتِمَّهَا، ثُمَّ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا، أَوْ عَتَقَتْ بَعْدَ تَمَامِهَا، أَوْفَى الْحُرَّةَ لَيْلَتَيْنِ ثُمَّ سَوَّى بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْأَمَةَ قَدْ اسْتَوْفَتْ لَيْلَتَهَا قَبْلَ عِتْقِهَا فَتَسْتَوْفِي الْحُرَّةُ بِإِزَائِهَا لَيْلَتَيْنِ، وَلَوْ لَمْ تَعْلَمْ الْأَمَةُ بِعِتْقِهَا حَتَّى مَرَّ عَلَيْهَا أَدْوَارٌ وَهُوَ يَقْسِمُ لَهَا قَسْمَ الْإِمَاءِ قَضَى الزَّوْجُ لَهَا مَا مَضَى إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ كَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ عَدَمَ الْقَضَاءِ وَكَلَامُ مَنْ أَطْلَقَ الْقَضَاءَ. ثُمَّ أَشَارَ إلَى الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ (وَتَخْتَصُّ) وُجُوبًا زَوْجَةٌ (بِكْرٌ جَدِيدَةٌ) أَيْ جَدَّدَهَا عَلَى مَنْ فِي عِصْمَتِهِ زَوْجَةٌ يَبِيتُ عِنْدَهَا وَلَوْ أَمَةً أَوْ كَافِرَةً (عِنْدَ زِفَافٍ) وَهُوَ حَمْلُ الْعَرُوسِ لِزَوْجِهَا (بِسَبْعٍ) وَلَاءٍ (بِلَا قَضَاءٍ) لِلْبَاقِيَاتِ (وَ) تَخْتَصُّ وُجُوبًا زَوْجَةٌ (ثَيِّبٌ) وَهِيَ الَّتِي إذْنُهَا النُّطْقُ (بِثَلَاثٍ) وَلَاءٍ بِلَا قَضَاءٍ لِخَبَرِ ابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: {سَبْعٌ لِلْبِكْرِ وَثَلَاثٌ لِلثَّيِّبِ} وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ زَوَالُ الْحِشْمَةِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا سَوَّى بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّبْعِ لَا يَخْتَلِفُ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ وَالْإِيلَاءِ، وَزِيدَ لِلْبِكْرِ؛ لِأَنَّ حَيَاءَهَا أَكْثَرُ، وَالْحِكْمَةُ فِي الثَّلَاثِ وَالسَّبْعِ أَنَّ الثَّلَاثَ مُغْتَفَرَةٌ فِي الشَّرْعِ، وَالسَّبْعَ عَدَدُ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَمَا زَادَ عَلَيْهَا تَكْرَارٌ، فَإِنْ فَرَّقَ ذَلِكَ لَمْ تُحْسَبْ؛ لِأَنَّ الْحِشْمَةَ لَا تُزَالُ بِالْمُفَرَّقِ وَاسْتَأْنَفَ وَقَضَى الْمُفَرَّقَ لِلْأُخْرَيَاتِ، وَخَرَجَ بِجَدِيدَةٍ مَنْ طَلَّقَهَا رَجْعِيًّا بَعْدَ تَوْفِيَةِ حَقِّ الزِّفَافِ، فَإِنَّهُ إذَا رَاجَعَهَا لَا زِفَافَ لَهَا، بِخِلَافِ الْبَائِنِ، وَبِخِلَافِ مُسْتَفْرَشَةٍ أَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ لَهَا حَقُّ الزِّفَافِ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ غَيْرُهَا أَوْ كَانَتْ وَلَمْ يَبِتْ عِنْدَهَا لَمْ يَثْبُتْ لِلْجَدِيدَةِ حَقُّ الزِّفَافِ، وَلَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُ أَصْلِ الرَّوْضَةِ: لَوْ نَكَحَ جَدِيدَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِي نِكَاحِهِ غَيْرُهُمَا وَجَبَ لَهُمَا حَقُّ الزِّفَافِ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَرَادَ الْقَسْمَ وَإِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: الْأَقْوَى الْمُخْتَارُ وُجُوبُهُ مُطْلَقًا لِخَبَرِ أَنَسٍ، فَقَدْ رَدَّهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ فِي مُسْلِمٍ طُرُقًا فِيهَا الصَّرَاحَةُ بِمَا إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ زَوْجَةٌ أَوْ أَكْثَرُ غَيْرُ الَّتِي زُفَّتْ إلَيْهِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمُطْلَقَةُ مُقَيَّدَةً بِتِلْكَ الرِّوَايَاتِ، وَدَخَلَ فِي الثَّيِّبِ الْمَذْكُورَةُ مَنْ كَانَتْ ثُيُوبَتُهَا بِوَطْءٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، وَخَرَجَ بِهَا مَنْ حَصَلَتْ ثُيُوبَتُهَا بِمَرَضٍ أَوْ وَثْبَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. (وَيُسَنُّ تَخْيِيرُهَا) أَيْ الثَّيِّبِ (بَيْنَ ثَلَاثٍ بِلَا قَضَاءٍ) لِلْبَاقِيَاتِ (وَ) بَيْنَ (سَبْعٍ بِقَضَاءٍ) أَيْ مَعَ قَضَاءٍ لَهُنَّ: {كَمَا فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا حَيْثُ قَالَ لَهَا: إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ} أَيْ بِالْقَسْمِ الْأَوَّلِ بِلَا قَضَاءٍ، وَإِلَّا لَقَالَ: وَثَلَّثْتُ عِنْدَهُنَّ كَمَا قَالَ: وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ، رَوَاهُ مَالِكٌ، وَكَذَا مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ. أَمَّا إذَا لَمْ تَخْتَرْ السَّبْعَ بِأَنْ لَمْ تَخْتَرْ شَيْئًا، أَوْ اخْتَارَتْ دُونَ سَبْعٍ لَمْ يَقْضِ إلَّا مَا فَوْقَ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَطْمَعْ فِي الْحَقِّ الْمَشْرُوعِ لِغَيْرِهَا، كَمَا أَنَّ الْبِكْرَ إذَا طَلَبَتْ عَشْرًا وَبَاتَ عِنْدَهَا مَعَ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يَقْضِ إلَّا مَا زَادَ لِمَا ذُكِرَ، بِخِلَافِ الثَّيِّبِ إذَا اخْتَارَتْ السَّبْعَ فَإِنَّهَا طَمِعَتْ فِي الْحَقِّ الْمَشْرُوعِ لِغَيْرِهَا فَبَطَلَ حَقُّهَا، وَلَوْ زُفَّتْ لَهُ زَوْجَتَانِ مَعًا وَهُوَ مُكْرَهٌ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا لِلِابْتِدَاءِ لِحَقِّ الزِّفَافِ، فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا قَدَّمَهَا بِجَمِيعِ السَّبْعِ أَوْ الثَّلَاثِ، فَإِنْ زُفَّتَا مُرَتَّبًا أَدَّى حَقَّ الْأُولَى أَوَّلًا، وَلَوْ زُفَّتْ جَدِيدَةٌ وَلَهُ زَوْجَتَانِ قَدْ وَفَّاهُمَا حَقَّهُمَا وَفَّى الْجَدِيدَةَ حَقَّهَا وَاسْتَأْنَفَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَسْمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنْ بَقِيَتْ لَيْلَةٌ لِإِحْدَاهُمَا بَدَأَ بِالْجَدِيدَةِ ثُمَّ وَفَّى الْقَدِيمَةَ لَيْلَتَهَا، ثُمَّ يَبِيتُ عِنْدَ الْجَدِيدَةِ نِصْفَ لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَحِقُّ ثُلُثَ الْقَسْمِ؛ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي بَاتَهَا عِنْدَ الْقَدِيمَةِ كَأَنَّهَا بَيْنَ الْقَدِيمَتَيْنِ، فَيَخُصُّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْقَدِيمَتَيْنِ نِصْفُ لَيْلَةٍ فَيَكُونُ لِلْجَدِيدَةِ مَا ذُكِرَ، وَيَخْرُجُ إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ نَحْوِهِ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْقَسْمَ بَيْنَ الثَّلَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ يَقْسِمُ لَيْلَتَيْنِ فَتَزَوَّجَ جَدِيدَةً فِي أَثْنَاءِ لَيْلَةِ إحْدَاهُمَا فَهَلْ يَقْطَعُ اللَّيْلَةَ كُلَّهَا وَيَقْسِمُ لِلْجَدِيدَةِ أَوْ يُكْمِلُ اللَّيْلَةَ؟ وَجْهَانِ فِي حِلْيَةِ الشَّاشِيِّ أَوْجَهُهُمَا الْأَوَّلُ. تَنْبِيهٌ: لَا يَتَخَلَّفُ بِسَبَبِ الزِّفَافِ عَنْ الْخُرُوجِ لِلْجَمَاعَاتِ وَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ كَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ مُدَّةَ الزِّفَافِ إلَّا لَيْلًا فَيَتَخَلَّفُ وُجُوبًا تَقْدِيمًا لِلْوَاجِبِ، وَهَذَا مَا جَرَى عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. وَأَمَّا لَيَالِي الْقَسْمِ فَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْخُرُوجِ لِذَلِكَ وَعَدَمِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ فِي لَيْلَةِ الْجَمْعِ أَوْ لَا يَخْرُجَ أَصْلًا، فَإِنْ خَصَّ لَيْلَةَ بَعْضِهِنَّ بِالْخُرُوجِ أَثِمَ.
المتن: وَمَنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَنَاشِزَةٌ، وَبِإِذْنِهِ لِغَرَضِهِ يَقْضِي لَهَا، وَلِغَرَضِهَا لَا فِي الْجَدِيدِ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ سَافَرَتْ) مِنْهُنَّ (وَحْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ) لِحَاجَتِهَا أَوْ حَاجَتِهِ (فَنَاشِزَةٌ) فَلَا قَسْمَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُورَتَانِ: الْأُولَى: إذَا خَرِبَتْ الْبَلَدُ وَارْتَحَلَ أَهْلُهَا وَالزَّوْجُ غَائِبٌ وَلَمْ يُمْكِنْهَا الْإِقَامَةُ فَلَا تَكُونُ كَمَا قَالَ السُّبْكِيُّ نَاشِزَةً كَخُرُوجِهَا مِنْ الْبَيْتِ إذَا أَشْرَفَ عَلَى السُّقُوطِ. الثَّانِيَةُ: إذَا سَافَرَ السَّيِّدُ بِالْأَمَةِ بَعْدَ أَنْ بَاتَ الزَّوْجُ عِنْدَ الْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا مِنْ الْقَسْمِ، وَعَلَى الزَّوْجِ قَضَاءُ مَا فَاتَ عِنْدَ التَّمَكُّنِ؛ لِأَنَّ الْفَوَاتَ حَصَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا، قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَقَرَّاهُ. أَمَّا إذَا سَافَرَتْ مَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّهَا تَسْتَحِقُّ كَمَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، لَكِنَّهَا تَعْصِي. نَعَمْ إنْ مَنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ فَخَرَجَتْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى رَدِّهَا سَقَطَ حَقُّهَا. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفَقَةِ: وَمِثْلُهَا الْقَسْمُ (وَ) مَنْ سَافَرَتْ (بِإِذْنِهِ لِغَرَضِهِ) كَأَنْ أَرْسَلَهَا فِي حَاجَتِهِ (يَقْضِي لَهَا) مَا فَاتَهَا لِلْإِذْنِ وَغَرَضِهِ فَهِيَ كَمَنْ عِنْدَهُ وَفِي قَبْضَتِهِ وَهُوَ الْمَانِعُ نَفْسُهُ عَنْهَا بِإِرْسَالِهَا (وَ) بِإِذْنِهِ (لِغَرَضِهَا) كَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَتِجَارَةٍ (لَا) يَقْضِي لَهَا (فِي الْجَدِيدِ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي قَبْضَتِهِ، وَفَائِدَةُ الْإِذْنِ رَفْعُ الْإِثْمِ، وَالْقَدِيمُ يَقْضِي لِوُجُودِ الْإِذْنِ، وَلَوْ سَافَرَتْ لِحَاجَةِ ثَالِثٍ. قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: فَيَظْهَرُ أَنَّهُ كَحَاجَةِ نَفْسِهَا ا هـ. وَهُوَ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ ظَاهِرٌ إذَا لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهَا بِسُؤَالِ الزَّوْجِ لَهَا فِيهِ وَإِلَّا فَيَلْحَقُ بِخُرُوجِهَا لِحَاجَتِهِ بِإِذْنِهِ، أَوْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِإِذْنِهِ لِحَاجَتِهِمَا مَعًا لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّفَقَةِ، وَمِثْلُهَا الْقَسْمُ خِلَافًا لِمَا بَحَثَهُ ابْنُ الْعِمَادِ مِنْ السُّقُوطِ وَامْتِنَاعُهَا مِنْ السَّفَرِ مَعَ الزَّوْجِ نُشُوزٌ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إلَّا أَنْ تَكُونَ مَعْذُورَةً بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ.
المتن: وَمَنْ سَافَرَ لِنُقْلَةٍ حَرُمَ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ، وَفِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ الطَّوِيلَةِ وَكَذَا الْقَصِيرَةُ فِي الْأَصَحِّ يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ، وَلَا يَقْضِي مُدَّةَ سَفَرِهِ.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ سَافَرَ لِنُقْلَةٍ) وَلَوْ سَفَرًا قَصِيرًا (حَرُمَ) عَلَيْهِ (أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ) دُونَ بَعْضٍ وَلَوْ بِقُرْعَةٍ بَلْ يَنْقُلُهُنَّ أَوْ يُطَلِّقُهُنَّ، وَإِنْ سَافَرَ بِبَعْضٍ وَلَوْ بِقُرْعَةٍ قَضَى لِلْمُتَخَلِّفَاتِ، وَلَوْ نَقَلَ بَعْضَهُنَّ بِنَفْسِهِ وَبَعْضَهُنَّ بِوَكِيلِهِ قَضَى لِمَنْ مَعَهُنَّ الْوَكِيلُ فِي الْأَصَحِّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ إنْ أَقْرَعَ وَإِلَّا وَجَبَ قَطْعًا. تَنْبِيهٌ: قَدْ يَقْتَضِي كَلَامُهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْكُلَّ جَازَ وَلَيْسَ مُرَادًا وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي، بَلْ يَنْقُلُهُنَّ أَوْ يُطَلِّقُهُنَّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ أَطْمَاعِهِنَّ مِنْ الْوِقَاعِ فَأَشْبَهَ الْإِيلَاءَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ امْتَنَعَ عَنْ الدُّخُولِ إلَيْهِنَّ وَهُوَ حَاضِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ رَجَاؤُهُنَّ (وَفِي سَائِرِ) أَيْ بَاقِي (الْأَسْفَارِ الطَّوِيلَةِ) الْمُبِيحَةِ لِلْقَصْرِ (وَكَذَا الْقَصِيرَةُ) الْمُبَاحَةُ (فِي الْأَصَحِّ يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ) أَيْ زَوْجَاتِهِ (بِقُرْعَةٍ) عِنْدَ تَنَازُعِهِنَّ، لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ: {أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ أَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمِهَا أَوْ يَوْمِ غَيْرِهَا}، نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ. قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِصَاحِبَةِ النَّوْبَةِ لَا تَدْخُلُ نَوْبَتُهَا فِي مُدَّةِ السَّفَرِ، بَلْ إذَا رَجَعَ وَفَّى لَهَا نَوْبَتَهَا. قَالَ: وَفِي نَصِّ الْأُمِّ مَا يَشْهَدُ لَهُ، وَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ لِوَاحِدَةٍ فَلَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ بِغَيْرِهَا وَلَهُ تَرْكُهَا: وَالثَّانِي: لَا يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ فِي التَّقْصِيرِ، فَإِنْ فَعَلَ قَضَى؛ لِأَنَّهُ كَالْإِقَامَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُقِيمِ تَخْصِيصُ بَعْضِهِنَّ بِالْقُرْعَةِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ سَافَرَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ عَصَى وَقَضَى، فَإِنْ رَضِينَ بِوَاحِدَةٍ جَازَ بِلَا قُرْعَةٍ وَسَقَطَ، وَلَهُنَّ الرُّجُوعُ قَبْلَ سَفَرِهَا. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَا بَعْدَهُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ مَسَافَةَ الْقَصْرِ أَيْ يَصِلْ إلَيْهَا. تَنْبِيهٌ: شَمِلَ إطْلَاقُهُ الْبَعْضَ الْوَاحِدَةَ فَأَكْثَرَ، وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِهِ مَا إذَا زَنَى وَغَرَّبَهُ الْإِمَامُ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ اسْتِصْحَابِ زَوْجَتِهِ مَعَهُ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ هُنَاكَ عَنْ الْبَغَوِيِّ (وَ) إذَا سَافَرَ بِالْقُرْعَةِ (لَا يَقْضِي) لِلزَّوْجَاتِ الْمُتَخَلِّفَاتِ (مُدَّةَ سَفَرِهِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَصْحَبَةَ وَإِنْ فَازَتْ بِصُحْبَتِهِ فَقَدْ لَحِقَهَا مِنْ تَعِبِ السَّفَرِ وَمَشَقَّتِهِ مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ، وَالْمُتَخَلِّفَةُ وَإِنْ فَاتَهَا حَظُّهَا مِنْ الزَّوْجِ فَقَدْ تَرَفَّهَتْ بِالدَّعَةِ وَالْإِقَامَةِ، فَتَقَابَلَ الْأَمْرَانِ فَاسْتَوَيَا، وَخَرَجَ بِالسَّفَرِ الْمُبَاحِ غَيْرُهُ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ فِيهِ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا، فَإِنْ فَعَلَ عَصَى وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِلْمُتَخَلِّفَاتِ وَبِالزَّوْجَاتِ الْإِمَاءِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ.
المتن: فَإِنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ وَصَارَ مُقِيمًا قَضَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ، لَا الرُّجُوعِ فِي الْأَصَحِّ.
الشَّرْحُ: (فَإِنْ وَصَلَ الْمَقْصِدَ) بِكَسْرِ الصَّادِ (وَصَارَ مُقِيمًا) بِأَنْ نَوَى إقَامَةً مُؤَثِّرَةً أَوَّلَ سَفَرِهِ، أَوْ عِنْدَ وُصُولِهِ مَقْصِدَهُ، أَوْ قَبْلَ وُصُولِهِ (قَضَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ) لِخُرُوجِهِ عَنْ حُكْمِ السَّفَرِ، هَذَا إنْ سَاكَنَ الْمَصْحُوبَةَ. أَمَّا إذَا اعْتَزَلَهَا مُدَّةَ الْإِقَامَةِ فَلَا يَقْضِي كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْحَاوِي (لَا) مُدَّةَ (الرُّجُوعِ) بَعْدَ صَيْرُورَتِهِ مُقِيمًا فَلَا يَقْضِيهَا (فِي الْأَصَحِّ) كَمَا لَا يَقْضِي مُدَّةَ الذَّهَابِ. وَالثَّانِي يَقْضِي؛ لِأَنَّهُ سَفَرٌ جَدِيدٌ بِلَا قُرْعَةٍ. أَمَّا إذَا رَجَعَ مِنْ الْمَقْصِدِ قَبْلَ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ فَلَا يَقْضِي جَزْمًا لِاسْتِصْحَابِ حُكْمِ السَّفَرِ عَلَيْهِ. تَنْبِيهٌ: الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ مَا مَرَّ فِي بَابِ الْقَصْرِ، فَلَوْ أَقَامَ فِي مَقْصِدِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِلَا نِيَّةٍ، وَزَادَ عَلَى مُدَّةِ الْمُسَافِرِينَ قَضَى الزَّائِدَ، فَلَوْ أَقَامَ لِحَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا كُلَّ وَقْتٍ فَلَا يَقْضِي إلَى أَنْ تَمْضِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَنْوَارِ، وَلَوْ اسْتَصْحَبَ وَاحِدَةً بِقُرْعَةٍ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ وَكَتَبَ لِلْبَاقِيَاتِ يَسْتَحْضِرُهُنَّ قَضَى الْمُدَّةَ مِنْ حِينِ كِتَابَتِهِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ، صَوَّبَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَإِنْ اسْتَصْحَبَهَا بِلَا قُرْعَةٍ قَضَى لِلْمُتَخَلِّفَاتِ جَمِيعَ الْمُدَّةِ وَلَوْ لَمْ يَبِتْ مَعَهَا مَا لَمْ يَخْلُفْهَا فِي بَلَدٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَإِنْ خَلَفَهَا لَمْ يَقْضِ لَهُنَّ كَمَا فِي فَتَاوَى الْبَغَوِيِّ.
المتن: وَمَنْ وَهَبَتْ حَقَّهَا لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ الرِّضَا، فَإِنْ رَضِيَ وَوَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْهِمَا، وَقِيلَ يُوَالِيهِمَا، أَوْ لَهُنَّ سَوَّى أَوْ لَهُ فَلَهُ التَّخْصِيصُ، وَقِيلَ يُسَوِّي.
الشَّرْحُ: (وَمَنْ وَهَبَتْ) مِنْهُنَّ (حَقَّهَا) مِنْ الْقَسْمِ لِغَيْرِهَا (لَمْ يَلْزَمْ الزَّوْجَ الرِّضَا) بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَمْلِكُ إسْقَاطَ حَقِّهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَهُ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا فِي لَيْلَتِهَا (فَإِنْ رَضِيَ) بِالْهِبَةِ (وَوَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ) مِنْهُنَّ (بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْهِمَا) كُلُّ لَيْلَةٍ فِي وَقْتِهَا مُتَّصِلَتَيْنِ كَانَتَا أَوْ مُنْفَصِلَتَيْنِ وَإِنْ كَرِهَتْ {كَمَا فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا وَهَبَتْ سَوْدَةُ نَوْبَتَهَا لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا} كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهَذِهِ الْهِبَةُ لَيْسَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الْهِبَاتِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ رِضَا الْمَوْهُوبِ لَهَا بَلْ يَكْفِي رِضَا الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَاهِبَةِ، إذْ لَيْسَ لَنَا هِبَةٌ يَقْبَلُ فِيهَا غَيْرُ الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ تَأَهُّلِهِ لِلْقَبُولِ إلَّا هَذِهِ. تَنْبِيهٌ: أَفْهَمَ قَوْلُهُ: لَيْلَتَيْهِمَا أَنْ يَقْسِمَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي وَقْتِهَا مُتَّصِلَتَيْنِ كَانَتَا أَوْ مُنْفَصِلَتَيْنِ (وَقِيلَ) فِي الْمُنْفَصِلَتَيْنِ (يُوَالِيهِمَا) بِأَنْ يُقَدِّمَ لَيْلَةَ الْوَاهِبَةِ عَلَى وَقْتِهَا وَيَصِلَهَا بِلَيْلَةِ الْمَوْهُوبَةِ أَوْ يُقَدِّمَ لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ عَلَى وَقْتِهَا وَيَصِلَهَا بِلَيْلَةِ الْوَاهِبَةِ؛ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ عَلَيْهِ، وَالْمِقْدَارُ لَا يَخْتَلِفُ، وَعُورِضَ ذَلِكَ بِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرَ حَقِّ مَنْ بِينَ اللَّيْلَتَيْنِ، وَبِأَنَّ الْوَاهِبَةَ قَدْ تَرْجِعُ بَيْنَهُمَا فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ، وَالْمُوَالَاةُ تُفَوِّتُ حَقَّ الرُّجُوعِ عَلَيْهَا، وَقَيَّدَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَخْذًا مِنْ التَّعْلِيلِ بِمَا إذَا تَأَخَّرَتْ لَيْلَةُ الْوَاهِبَةِ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ وَأَرَادَ تَأْخِيرَهَا جَازَ. قَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَكَذَا لَوْ تَأَخَّرَتْ فَأَخَّرَ لَيْلَةَ الْمَوْهُوبَةِ إلَيْهَا بِرِضَاهَا تَمَسُّكًا بِهَذَا التَّعْلِيلِ ا هـ. وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَمَحَلُّ بَيَاتِهِ عِنْدَ الْمَوْهُوبَةِ لَيْلَتَيْنِ مَا دَامَتْ الْوَاهِبَةُ تَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَبِتْ عِنْدَ الْمَوْهُوبَةِ إلَّا لَيْلَتَهَا (أَوْ) وَهَبَتْ (لَهُنَّ) كُلِّهِنَّ أَوْ أَسْقَطَتْ حَقَّهَا مِنْ الْقَسْمِ مُطْلَقًا (سَوَّى) بَيْنَهُنَّ فِيهِ جَزْمًا، فَتُجْعَلُ الْوَاهِبَةُ أَوْ الْمُسْقِطَةُ كَالْمَعْدُومَةِ وَيَقْسِمُ لِلْبَاقِيَاتِ (أَوْ) وَهَبَتْ (لَهُ) فَقَطْ (فَلَهُ التَّخْصِيصُ) لِوَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ بِنَوْبَةِ الْوَاهِبَةِ؛ لِأَنَّهَا جَعَلَتْ الْحَقَّ لَهُ فَيَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ، وَيَأْتِي فِي الِاتِّصَالِ وَالِانْفِصَالِ مَا سَبَقَ (وَقِيلَ: يُسَوِّي) بَيْنَهُنَّ وَلَا يُخَصِّصُ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ يُورِثُ الْوَحْشَةَ وَالْحِقْدَ فَتُجْعَلُ الْوَاهِبَةُ كَالْمَعْدُومَةِ، وَلَوْ وَهَبَتْ لَهُ وَلِبَعْضِ الزَّوْجَاتِ أَوْ لَهُ وَلِلْجَمِيعِ، لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَقَدْ سَأَلْت شَيْخِي عَنْهَا فَأَجَابَ بِأَنَّ حَقَّهَا يُقْسَمُ عَلَى الرُّءُوسِ كَمَا لَوْ وَهَبَ شَخْصٌ عَيْنًا لِجَمَاعَةٍ وَالتَّقَدُّمُ بِالْقُرْعَةِ. تَنْبِيهٌ: لَا يَجُوزُ لِلْوَاهِبَةِ أَنْ تَأْخُذَ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِحَقِّهَا عِوَضًا لَا مِنْ الزَّوْجِ وَلَا مِنْ الضَّرَائِرِ، فَإِنْ أَخَذَتْ لَزِمَهَا رَدُّهُ وَاسْتَحَقَّتْ الْقَضَاءَ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ لَمْ يُسَلَّمْ لَهَا، وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْ هَذَا الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ؛ لِأَنَّ مُقَامَهُ عِنْدَهَا لَيْسَ بِمَنْفَعَةٍ مَلَكَتْهَا عَلَيْهِ. وَقَدْ اسْتَنْبَطَ السُّبْكِيُّ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمِنْ خُلْعِ الْأَجْنَبِيِّ جَوَازَ النُّزُولِ عَنْ الْوَظَائِفِ، وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ رَأْيُهُ أَنَّ أَخْذَ الْعِوَضِ فِيهِ جَائِزٌ وَأَخْذُهُ حَلَالٌ لِإِسْقَاطِ الْحَقِّ لَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمَنْزُولِ لَهُ، بَلْ يَبْقَى الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى نَاظِرِ الْوَظِيفَةِ يَفْعَلُ مَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ شَرْعًا وَبَسَطَ ذَلِكَ، وَلِلْوَاهِبَةِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَتْ، فَإِذَا رَجَعَتْ خَرَجَ فَوْرًا، وَلَا يَرْجِعُ فِي الْمَاضِي قَبْلَ الْعِلْمِ بِالرُّجُوعِ، فَإِنْ بَاتَ الزَّوْجُ فِي نَوْبَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ غَيْرِهَا ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَهَبَتْ حَقَّهَا وَأَنْكَرَتْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ.
|